مجدداً ميليشيا الحوثي ضمن قائمة الإرهاب العالمي
مصطفى المخلافي
عادة ما يرجع ظهور الجماعات الإرهابية المتطرفة إلى فراغ السلطة، أو غياب الحكومة أو أية سلطة مركزية، مثل حالة العراق وسوريا واليمن، ففي حالة اليمن مثلاً قامت ميليشيا الحوثي الإرهابية بملء فراغ السلطة التي سلمها التنظيم الإخواني (حزب الإصلاح) لميليشيا الحوثي، ما تسبب في تدمير المجتمع وتمزيق النسيج الاجتماعي وسحق كل مقومات الحياة في هذا البلد المكلوم، وتهديد مصالح العالم، وجلب الدول وحشدها لضرب ما تبقى من ركان وطن.
ولذا شكل النتاج الفكري لهذه الميليشيا، الأساس القكري الذي انطلق منه التطرف والإرهاب المتستر بالدين، بل إن هذه الميليشيا نفسها، وعلى رأسها تنظيم الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) تشبعوا بالفكر نفسه الذي تتبناه كل الجماعات الإرهابية، وليس أدل على ذلك من أن قادة هذه الميليشيا كانوا شركاء قيادة الإخوان المسلمين في اليمن في شعارات إسقاط النظام حيثُ توحدت أفكارهم قبل أهدافهم ومخططاتهم التخريبية التي أدت في نهاية المطاف إلى سيطرة ميليشيا الحوثي الإرهابية على أجزاء كبيرة من أراضي البلد وتحويل اليمن إلى مجلس عزاء كبير يقطنهُ آلاف من القبور من مساحات شاسعة تمر على كل محافظات ومناطق وقرى الجمهورية اليمنية.
اليوم ومع وصول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب للبيت الأبيض تُعيد الإدارة الأمريكية تصنيف ميليشيا الحوثي جماعة إرهابية وهو الأمر الذي يبدو بديهياً وغير مفاجئاً البته، خاصة وأن العالم أجمع قد شهد أبشع الجرائم الإنسانية التي ارتكبتها ميليشيا الحوثي بحق المدنيين، وكان يُفترض أن يأتي هذا التصنيف مبكراً إحقاقاً للحق وإنصافاً لدماء الشهداء والجرحى من المدنيين الذين سقطوا برصاص وقذائف هذه الجماعة الإرهابية.
بلاشك بأن الخسائر المتوقعة وغياب الانتصارات الدامغة للتحالف خلال التدخل العسكري في اليمن، كان سبباً رئيساً في عزوف الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لتصنيف ميليشيا الحوثي جماعة إرهابية، كما أن شعور الامتعاض الذي خلفته الأحزاب والقوى السياسية ساهم في هذا الموقف المتردد، أما الشرعية فهي تفتقر إلى شخصية جامعة، بسبب انشغالاتها في جني الأموال وشراء العقارات والفلل في المنافي، ولم تنجح خلال سنوات الحرب التي استمرت حتى الآن في تسجيل موقف وطني مشرف يخدم القضية اليمنية، ولم تتفق حتى على صيغة موحدة حول مسائل مبدئية متعلقة بالشكل المستقبلي للدولة اليمنية المقبلة التي يفترض أنهم سيقودونا إليها كما وعدونا منذُ قرابة الخمسة عشر عام.
وحتى اليوم تتعامل أغلب المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة مع سلطة الميليشيا الحوثية أكثر مما تعاون مع الشرعية المعترف بها دولياً، وهذا ما عزز أكثر من قناعة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بعدم تصنيف ميليشيا الحوثي جماعة إرهابية آنذاك في بداية الحرب، حتى وهي تقتل المدنيين وتقصف الاحياء وتفجر المنازل على ساكنيها لم يتم اتخاذ أي إجراء استثنائي يجردها من سلطتها ويعزلها عن العالم.
ولذا عدم اليقين بالشرعية من قبل المجتمع الدولي لتحل محل ميليشيا الحوثي الإرهابية لاحقاً، أدى إلى تصور مبسط جداً وهو عدم وجود البديل القوي داخل مكون الشرعية الذي سيملء الفراغ بعد مرحلة مابعد ميليشيا الحوثي، ومن هنا جرى تجاهل تام لما ترتب نتيجة لنهج ميليشيا الحوثي خلال السنوات الماضية، ومن الخطأ القول إن ذلك حدث عبثاً، بل حدث لأن الغرب لم يكن يرغب في أن يُدرك جسامة وحشية الصراع الدائر في اليمن، وفوت على نفسهِ فرصة تصنيف ميليشيا الحوثي آنذاك جماعة إرهابية في الوقت المناسب الذي كان من المتوقع أن يحد من خطرها ويساهم في ذوبانها دون أي خسائر ممكنه.
الحوثي لم يقدم أية تنازلات طيلة فترة الحرب، سواء فيما يتعلق بقتل المدنيين وقتل واختطاف خصومه السياسيين والعسكريين والصحفيين أو تجويعه الممنهج لمناطق بأكملها الخاضعة لسيطرته، ومع كل هذا أستمر في مفاوضات السلام في جنيف واستكهولم، وهذا ما يجعل من الصعب إعادة إحياء أي عملية سياسية معه بشكل كامل.
وبتصنيف الإدارة الأمريكية لميليشيا الحوثي كجماعة إرهابية، وبغض النظر عن مضمون هذا التصنيف، إلا أننا لا نستسلم للخديعة، ولا للهواء الأسود، لنقطف عنقوداً أو نجمة عالقة في السماء، لا يحجب الغيم طريقنا نحو ما نريد أن نكون عليه، فلنا ما لنا من قوة الريح لتُزيل الغُبار عن طريقنا، ولنا ما لنا من مطر يكفي ليُنبت عُشب الحقيقة، ولنا كذلك من قدرة على تذكر أسمائنا بعد كل حرب أو حادثة سير، نحس بالألم لأننا لا زلنا أحياء، ولك أيها الحوثي ما لك من صرخات الموتى مثل غواء الذئاب الجريحة تفترس ما تبقى فيك من مغنم حياة، ولك أيضاً من فلول الندم لتأكل ما تبقى فيك من زمن الساعة الرملية، وقدرة الجسد على تحمل الجراح لأن به نسمة حياة، وغداً سنُسقط جراحك من ذكرياتنا، ورمل ساعاتنا، ونغسل شجرنا مما تطاير علينا من قذائف حقدك لنزهو بالحياة ما استطعنا ونمشي بأقدامنا على رفاتك.
فأنت مجرد جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب أمام طموح أمة لا يثني عزمها سُم الغدر وسكاكين الخيانة، وما تراكم على الطريق من شوك وهباء فرياحنا عواصف تهدم جبال.