في ذكرى جامع الرئاسة.. هكذا فجروا الوطن
عبدالعليم سنان
لم يكن في ذلك اليوم خيرٌ أو بخيرٍ، إلا القليل أو متشفٍ ذبح الثيران ووزعها في ساحاته ابتهاجا بأنْ تم اغتيال الدولة ورموزها، حتى خرج لنا في التاسعة ذات مساء على شاشة قناة اليمن الفضائية صوتٌ مبحوح ليقول للشعب: "إذا أنتم بخير أنا بخير"!!
دلالة الزمان والمكان حينها كانت تستدعي ضرورة الأمن وعدم الإجرام، فشهرٌ حرام وبيتٌ حرام وجمعة مباركة، ولكن الإرهاب والاجرام لا دين لهما، جاءت الجريمة في ظل ادعاءات السلمية، على الرغم من دعواته لهم إلى الحوار وتحكيم كتاب الله، ولكن بين الادعاءات والدعوات كانت هناك قلوب تكاد تنفجر حقدا فصنعت من بعض أحقادها متفجرات لاستهداف الجميع، نعم إنها الحقيقة المرة، لقد فجروا جدار الجمهورية المتكئ على رجالات كبار في الدولة في ظل جامع دار الرئاسة بصنعاء، ولا ندري أيهما كان يتكئ على الآخر، متجاهلا أن قومٌ يجمعون كيدهم للإطاحة بالدولة وجدرانها ليحرقونهم أمام الله وفي بيته.
في أول جمعة من رجب المقابل 13 يناير 2011م، وخلال خطبة الجمعة هز انفجار ضخم قلوب اليمنيين، نعم لقد انفجر جامع دار الرئاسة بصنعاء من حائطه القبلي الذي كان يتجه إليه المصلون من كبار رجالات الدولة ومسؤوليها وعلى رأسهم الزعيم علي عبدالله صالح -رحمه الله-، ورؤساء أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية مثل الشيخ يحيى الراعي، والدكتور عبدالعزيز عبدالغني -رحمه الله-، وعلي محمد مجور والدكتور رشاد العليمي وكثيرون من قيادات الدولة والجيش، منهم من قضى نحبه ومنهم من لا يزال شاهدا على مرارة تلك اللحظة حتى الآن.
قد يقول قائل ما الفائدة من استذكار تلك الحادثة بعد مرور أربعة عشر عاما، بل ربما قد يرى البعض أن هذا الكلام إدانة للمرتكب الذي أمن العقاب إذ كان يمثل أحد أفرع الدولة العميقة في البلاد الأمر الذي قُيّدت بسببه تلك الجريمة ضد مجهول، وربما يراه آخر مجاملة للضحية التي أفضت إلى بارئها، بعد أن تجنب سفك الدم وسقوط القيم واللجوء إلى الانتقام، بل وأمر القيادات العسكرية من أقاربه وعلى رأسهم العميد أحمد علي عبدالله صالح حينها بعدم اتخاذ أي إجراءات عسكرية أو انتقامية، ولكن ليست الغاية هذي أو تلك، إنما ما بينهما، وهو أن تلك الحادثة كانت البداية الأولى لدوامة اليمن التي ما نزال نعيش صداعها حتى اللحظة، كيف لا؟! إذ لا يزال يظهر عند ذكرها المتشفون بألفاظ مثل المحروق والمتفحم وغيرها بعد أن كانوا حينها يذكرون ألفاظ مثل التابوت، وهو المكان الذي قادوا إليه وبه اليمن إلى الآن البئيس، وما أكثر المقابر التي اتسعت منذ تلك اللحظة التي غاب عنها العقل واستسلم للإرهاب فيها المجرمون.
ما بين الاحتياجات والاحتجاجات لا يوجد في قواميس النواميس سواء الأخلاقية أو السياسية أو المعارضة أن يتم اللجوء إلى مثل هكذا فعل جبان، كانت حينها المسألة الظاهرة أن هناك احتجاجات تطالب بترحيل النظام لأجل بناء دولة أفضل وتفعيل احتياجات الإنسان اليمني حسب الشعارات الكثيرة، فكيف لمن يطالب بتفعيل الدولة اللجوء إلى اغتيالها وترحيل النظام جملةً وتفصيلا وهو ما نعيشه الآن حرفا حرفا، هذا الأمر يفسر التناقض ما بين حقيقة الشعارات في الظاهر والسموم والسُعارات لدى بعض من ركبوا الموجة في الباطن حتى أفضى بهم الأمر إلى ذلك التفجير.
ما يجعلنا نتحدث عنه الآن أيضا هو أن تلك الحادثة هي التي أخرجتنا من معقم الدولة التي كان بنيانها في طور الإرتفاع والتشييد، إلى شتات اللادولة نتيجة تأثيراتها وانعكاساتها على مختلف الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والصراع الممتد إلى ما لا ندري من نهاية، والذي فتح الشهية للأطماع والنزاع والتدخلات والتداخلات على مدى أربع عشرة سنة.
أما حينها فقد تلعثم المتلعثمون في تحديد موقف واضح يستمرون عليه، حتى أن تصريحات لسفارات أجنبية وقفت بعد التفجير مباشرة وانتشار خبر أن الرئيس صالح قد اغتيل، وقفت بتصريحات أنها مع خيارات الشعب، ولكن بعد إنتشار ذلك الخبر نتيجة التفجير إلى أن قال لهم "إذا أنتم بخير أنا بخير"، غيرت موقفها وموقعها من الأمر بل وارتبكت المواقف وارتكبت الحماقات، لتأتي بعدها الإدانات شديدة اللهجة من كل حدب وصوب، فهل هناك من يستلهم الدرس من أن تكريس الخطأ والاستمرار عليه يساوي غياب الدولة في ظل وقت نحن بأشد الحاجة فيه إلى الدولة، وخاصة بعد أن أثبتت الأحداث اللاحقة أن الأزمة اليمنية لم تنتهِ بهذه الحادثة، بل أنجبت أزمات وانهزامات ما تزال تتكاثر حتى اليوم.