زلة "القمامة": هل قدّم بايدن الرئاسة لترامب على طبق من ذهب؟
المرشح الجمهوري للرئاسة والرئيس السابق دونالد ترامب يعقد مؤتمرا صحفيا من داخل شاحنة لجمع القمامة في مطار أوستن ستراوبل الدولي في غرين باي بولاية ويسكونسن. 30 أكتوبر/تشرين الأول 2024. © Getty Images via AFP - CHIP SOMODEVILL
أثار تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي وصف فيه أنصار المرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية، دونالد ترامب، بـ"القمامة"، ضجة واسعة قبل أيام من الانتخابات الرئاسية.
وقد جاءت تصريحات بايدن في إطار دفاعه عن البورتوريكيين الذين تعرّضوا لنكتة عنصرية خلال مسيرة انتخابية لترامب في نيويورك. لكن تعليقه الذي فُسر على أنه إهانة لمؤيدي ترامب، أثار موجة من الجدل في توقيت حرج قد يكون له تأثير في النتائج النهائية.
وقد صرح بايدن بهذا التعليق خلال كلمة للناخبين اللاتينيين، ردًّا على ما اعتبر خطاباً غير مقبول من بعض مؤيدي ترامب ضد سكان بورتوريكو، حيث قال أحد المتحدثين في تجمع انتخابي بنيويورك عن الجزيرة أنها "جزيرة قمامة عائمة"، فرد بايدن قائلاً: "القمامة الوحيدة التي أراها تطفو هي مؤيدو ترامب".
وفي وقت لاحق، أصدر البيت الأبيض بياناً قال فيه إن الرئيس كان يتحدث عن كلمات الممثل الكوميدي توني هينتشكليف، وليس عشرات الملايين من أنصار ترامب.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير للصحافيين إن بايدن "لا ينظر إلى أنصار ترامب أو أي شخص يدعم ترامب على أنهم قمامة".
كما تحدث بايدن نفسه عن مكالمته عبر الفيديو مع منظمة "فوتو لاتينو" غير الربحية، وكتب في حسابه على منصة "إكس": "في وقت سابق، أشرت إلى الخطاب البغيض حول بورتوريكو الذي أطلقه مؤيد لترامب في تجمعه الانتخابي في ماديسون سكوير غاردن باعتباره قمامة، وهي الكلمة الوحيدة التي يمكنني التفكير فيها لوصفه".
ومضى قائلاً: "إن شيطنة اللاتينيين أمر غير مقبول، هذا كل ما أردت قوله فالتعليقات التي أدلي بها في ذلك التجمع لا تعكس هويتنا كأمة".
ومع ذلك، اعتبر مراقبون أن الضرر قد وقع بالفعل، مستذكرين واقعة مشابهة حدثت في عام 2016 عندما وصفت هيلاري كلينتون، المرشحة الديمقراطية السابقة، نصف مؤيدي ترامب بأنهم "بائسون"، ما أدى إلى تحفيز قاعدته الانتخابية ضدها.
كامالا تنأى بنفسها
وعندما سُئلت عن تصريحات بايدن قبل توجهها بالطائرة من واشنطن العاصمة لحملتها في الولايات المتأرجحة، أشارت المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس إلى أن بايدن سعى بالفعل إلى "توضيح تعليقاته".
وأضافت قائلة: "لكن دعوني أوضح الأمر، أنا أختلف بشدة مع أي انتقاد موجه إلى الناس على أساس من يصوتون له".
وفي ردها على سؤال من بي بي سي، قالت إنها إذا فازت في الانتخابات التي ستجرى يوم الثلاثاء المقبل فسوف تصبح "رئيسة لكل الأمريكيين، بما في ذلك أولئك الذين لن يصوتوا لي".
وسعت هاريس إلى إعادة التركيز على منافسها ترامب، قائلة إن الناخبين الأمريكيين سيقررون ما إذا كانوا يريدون "محاولة توحيد البلاد وكسر عصر الانقسام هذا".
وكان الجدل بشأن تصريحات بايدن قد تصدر عناوين الأخبار في إزعاج غير مرغوب فيه لحملة هاريس أثناء إلقائها خطابها الأخير أمام الناخبين في واشنطن العاصمة.
وفي المكان الذي تحدّث منه ترامب قبل وقت قصير من أعمال الشغب التي قام بها أنصاره في مبنى الكابيتول الأمريكي في 6 يناير/ كانون الثاني من عام 2021، حثّت الأمريكيين على "طي صفحة الصراع" في السياسة الأمريكية.
ترامب في شاحنة قمامة
وقد أدركت حملة ترامب أهمية هذه التصريحات، حيث حاولت الاستفادة منها لصالحها بتصوير الديمقراطيين على أنهم يحتقرون مؤيدي الرئيس السابق.
واستغل ترامب تصريح بايدن لتقوية رسالته بأن النخب الديمقراطية تتعالى على الشعب الأمريكي وتتعامل بازدراء مع الطبقة العاملة والأمريكيين المحافظين، الذين يرون في ترامب صوتًا لقيمهم وحقوقهم.
وقال ترامب: "أخيراً، قال جو بايدن ما يعتقده هو وكامالا حقاً بشأن أنصارنا، لقد وصفهم بالقمامة، وهم يقصدون ذلك".
وفي إحدى الفعاليات في ولاية بنسلفانيا، ذكّر ترامب أنصاره بتصريح هيلاري كلينتون عام 2016، قائلاً: "هل تتذكرون عندما وصفتكم هيلاري بالبائسين؟ الآن بايدن يصفكم بالقمامة".
وقال ترامب إن كلمات بايدن "أسوأ" مما قالته كلينتون.
وفي وقت لاحق، سافر بالطائرة إلى غرين باي في ولاية ويسكونسن، حيث ركب شاحنة قمامة تحمل ملصق حملة ترامب على الجانب.
وسأل ترامب للصحافيين: "هل تعجبكم شاحنة القمامة الخاصة بي؟ إن بايدن يجب أن يخجل من نفسه".
وكانت آن دريسن تنتظر في الطابور من أجل التجمع في غرين باي، وهي تحمل كيس قمامة أسود في إشارة إلى تعليق بايدن.
وقالت لبي بي سي: "لقد اعتدنا على هذا من الجانب الآخر، لقد أطلقوا عليه لقب ستالين وهتلر وموسوليني، لماذا لا يطلقون عليه لقب الشيطان؟ إنهم يضعوننا جميعاً في نفس المجموعة أيضاً".
وعلى الجانب الآخر، قال أنصار هاريس الذين حضروا تجمعها في ماديسون بولاية ويسكونسن لبي بي سي إنهم ما زالوا مستائين من نكتة بورتوريكو التي قالها الممثل الكوميدي توني هينتشكليف.
وقالت مالوري مالفيتز: "بصفتي لاتينية، فإن هذا أمر مقزز، ومن البغيض أن يفكر الناس بهذا الشكل في أشخاص مثلي".
وأضافت مالفيتز أنها لا تعتبر أولئك الذين لديهم آراء معارضة "قمامة"، قائلة إن بعض أفراد أسرتها من أنصار ترامب.
وخلال حملته الانتخابية، تعرّض ترامب نفسه لانتقادات بسبب وصفه للولايات المتحدة بأنها "سلة قمامة للعالم"، ووصفه للمعارضين السياسيين بأنهم "العدو الداخلي".
وقال ترامب عن كامالا هاريس بأنها تدير "حملة كراهية".
وقد دافع ترامب عن تجمع ماديسون سكوير غاردن الذي أشار إليه بايدن، والذي أثار خلاله هينتشكليف وآخرون الإساءة بمجموعة من التعليقات، ووصفه بأنه كان "مهرجان حب".
واعترف بأن "شخصاً ما قال بعض الأشياء السيئة"، لكنه قال إنه لا يعتقد أن الأمر أمر كبير".
ولم يقدّم ترامب اعتذاراً كما طالبت شخصيات بارزة من الجزيرة نفسها، وهي إقليم تابع للولايات المتحدة. وأعرب عدد من الجمهوريين، بما في ذلك من الأحياء التي تضم أعداداً كبيرة من السكان من أصول لاتينية، عن غضبهم.
وفي فيلادلفيا، في ولاية بنسلفانيا، الولاية المتأرجحة الرئيسية في الانتخابات الرئاسية، قال أفراد من السكان البورتوريكيين البالغ عددهم 90 ألف نسمة لبي بي سي إنهم لن ينسوا هذه النكتة.
ولا يحق لسكان بورتوريكو - وهي جزيرة تابعة للولايات المتحدة في منطقة البحر الكاريبي - التصويت في الانتخابات الرئاسية، ولكن الجالية الكبيرة في الولايات المتحدة تستطيع ذلك.
توقيت صعب
وجاءت تصريحات بايدن في وقت صعب، حيث يستعد الناخبون للتوجه إلى صناديق الاقتراع في انتخابات تشهد تقارباً في استطلاعات الرأي.
وتأمل حملة هاريس في جذب أصوات الجمهوريين غير الراضين عن سياسات ترامب، لكنها باتت تواجه الآن تحدياً في إقناع المتردّدين بالتصويت لصالحها بعد هذا الجدل.
ويرى البعض أن هذا التصريح قد يضر بحملة هاريس، حيث يتساءل الناخبون عما إذا كان الحزب الديمقراطي يحترم الجميع أم يحتقر من لا يتفق معه سياسيًا.
وعلى صعيد آخر، يرى بعض الديمقراطيين أن تصريحات بايدن مجرد زلة عابرة، لكن الإعلام المؤيد لترامب كان له رأي مختلف، حيث حاول تضخيم القضية وتصوير الديمقراطيين على أنهم منفصلون عن هموم المواطن العادي.
ويرى مؤيدو ترامب أن زلات بايدن هذه، التي تكررت في عدة مناسبات، تعكس تناقضاً في خطاب الديمقراطيين، الذين يطالبون بالوحدة والتسامح، لكنهم في الوقت ذاته يستخدمون عبارات تُفسر على أنها مهينة للآخرين.
وفي محاولة لإعادة توجيه الرسائل الانتخابية، تحاول حملة هاريس الآن التركيز على خطابها الوحدوي، مستندة إلى تصريحات سابقة للرئيس الأسبق باراك أوباما، الذي حذر الديمقراطيين من إظهار الاستهانة بالناخبين لمجرد اختلافهم في الآراء. كما أشار أوباما إلى خطورة الخطاب الاستقطابي الذي يؤدي إلى عزوف الناخبين وتراجع الثقة في النظام الديمقراطي، داعياً إلى احترام جميع الآراء والعمل على تجاوز الانقسامات.
وتأمل حملة هاريس في تجاوز تأثير هذه العثرة من خلال إبراز خطابها حول الوحدة وأهمية العمل من أجل الجميع، لكن توقيت التعليق يجعل المهمة صعبة.