#جناح_مكسور كل دبوس إذا أدمى بلادي هو في قلبي أنا
فتحي بن لزرق
يكفي أن تسرد حكاية أربع طائرات من طيران اليمنية ليُفتح أمامك باب الفاجعة على مصراعيه، فتبدأ الرواية من جناح مكسور، ومطار مغلق، وسماء يمنية حُجبت عنها الرؤية، ثم تنتهي بخاتمة دامية، عنوانها: وطنٌ في الرمق الأخير، ووحشٌ يتربّص بما تبقّى من روحه.
في معادلة السياسة اليمنية، يقف عبد الملك الحوثي وجماعته ككائن دخيل، كعنصر طارئ جاء من فجوة مظلمة في التاريخ، محمولًا على رياح المظلومية الزائفة، وعصاً لا يلوّح بها إلا ليهشّ ما تبقى من كرامة هذا الوطن وينهش ما بقي من عظامه الهشة.
ليسوا امتدادًا لفكرة وطن، ولا ورثة حضارة، ولا حتى نتاجًا لواقعٍ يمني، بل هم تجلٍّ صارخ لعدمية سوداء جاءت من خارج الجغرافيا والهوية والذاكرة، كلما بزغ فجرٌ على هذه الأرض، دفنوه تحت أكوامٍ من الحقد، وكلما نهض الناس، أهالوا على ظهورهم جبالًا من الرمل والركام والموت.
أنظر إلى مطار صنعاء المقفل منذ سنوات، إلى موانئ الحديدة التي لم يعد فيها إلا الصمت، إلى طائرات اليمنية الراسية كالشواهد على قبر وطنٍ لم يُمنح حتى حق التنفس... ما الذي تبقّى؟ هذا الخراب لم يُبنَ بالصدفة، بل كان فعلاً مقصودًا، ممنهجًا، تم بإرادة سياسية لا ترى في اليمن إلا ساحة حربٍ أبدية، لا شعب له، ولا تاريخ يُحترم، ولا مستقبل يُراد له أن يولد.
ليس في قاموس هذه الجماعة شيء اسمه الوطن. لا الموانئ تعنيهم، ولا المطارات تهمهم، ولا الطائرات ولا الركّاب ولا الأمهات المنتظرات في المطارات... هذه المآسي لا تسكن وجدانهم حتى الفاقد عقله حينما يستشعر الخطر يتوقف عن ممارسة "الجنون" الا هؤلاء يمارسون جنونهم دونما وعي، دونما حسابات طالما والخاسر هو الشعب اليمني وحده!
الشعب بالنسبة لهم تفصيل صغير على هامش معركتهم الكبرى، معركة استرداد "مقامات الأجداد" المزعومة، لا في صنعاء ولا في مأرب أو عدن، بل خارج اليمن تمامًا.
هم الغرباء، القادمون من خلف الأسوار. يريدون أن يسوقوا اليمنيين إلى معركة لا تعنيهم، ولا يفهمون سبب وجودهم فيها، معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فقط لأن رجلاً يرى نفسه ظلًّا لله على الأرض، يريد منّا أن ندفع دمه، وندمغ على جباهنا بصمته.
تخيل – لو أنه تمكّن يومًا من السيطرة على هذا الوطن بأكمله – كيف سيكون حالنا؟ وطن بلا مطار، بلا ميناء، بلا مدرسة، بلا أجر، بلا صحافة، بلا نساء، بلا أغاني، بلا أطفال يضحكون... وطنٌ بلا حياة.
لو تمكن عبدالملك من رقابنا جميعًا، فلن يكون اليمن بعدها سوى صفحة منسية في كتب الخراب، عنوانها: "هكذا انتهت الأرض التي كانت تدعى اليمن."
فتحي بن لزرق
28 مايو ٢٠٢٥