ماذا بعد ميونيخ؟!
يبدو أن مجلس القيادة الرئاسي تأخر كثيراً لإثبات أحقيتهِ في قيادة البلد ونيل ثقة المجتمع الدولي، هذا الأمر قد يبدو سخيفاً ونحن نشاهد رأس الشرعية يهرول من مؤتمر لآخر للحديث عن سردية أن ميليشيا الحوثي الإرهابية جماعة تتبع إيران، في الوقت الذي يجاهر فيه الحوثي ويفاخر بتبعيته للنظام الإيراني، وكأن الأمر تحول إلى إفلاس ليس سياسي فحسب بل إفلاس في الرجال المخضرمين القادرين على قراءة أبجديات السياسة والدبلوماسية التي دائماً ما تكون ركيزة أساسية لرسم سياسة الدولة في الخارج، تابعت ما جرى في مؤتمر ميونيخ الذي أظهر الشرعية وكأنهم معزولين عن الزمن الذي نعيش فيه، نحن اليوم نعيش في ظل المتغيرات السياسية في المنطقة التي تستدعي إثبات الذات وإقناع المجتمع الدولي بعدالة قضيتنا اليمنية بدلاً من تقديم سرديات تفتقر لجوهر المشكلة التي نعاني منها.
أكثر ثلاثة أعوام مرت على تأسيس مجلس القيادة الرئاسي، وفجأة يتصرف وكأنه وليد اللحظة، وكأنه لم يعاصر الأحداث في اليمن، ولا تلك الأحداث التي تدور من حوله في المنطقة، صحيح أن هنالك عوائق عديدة تواجهه، لكنه ليس ضحية، وكان بإستطاعته تقديم أداء أفضل على الأقل لتجنب الكوارث الجماعية التي لحقت بنا، ندرك بأننا نعيش في لحظة ذات أهمية مفصلية، يتوجب علينا مؤازة الشرعية، لكننا وجدنا أنفسنا أمام ماكينة تغليف لبيع الوهم وليس أمام حكومة تقدر حجم المسؤولية التي نواجهها، هذا الشعور مهم جداً لأنه يحفزنا جزئياً لنقد الأخطاء التي باتت تعطل حياتنا وتعيدنا للخلف عشرات السنين.
على مدى عقود من الزمن لم يشهد اليمن مثل هذه الحقبة قط، لم يمر عليه ساسة مغلفين بأكياس ورقية متهالكة، تم استدعائهم كمن يستدعي علب حلوى من متجر اونلاين، نشعر الآن بحجم الفشل الذي بات ظاهراً في مؤتمر ميونيخ، مؤتمر يعجز فيه رأس الشرعية عن إقناع نفسهِ بما يقوله، ظهر فيه الجميع منقسمين، بلا رؤية واضحة أو برنامج، غاب عنه العُمق والدبلوماسية وحضر فيه التبلد والفراغ الفكري والسياسي، شعر الجميع بصدمة وهم يشاهدون تهائهون يقودون بلد منهك، حتى أن الرئيس نفسه كان يبحث عن ما يقوله ليقنع الحضور، لعل مؤتمر ميونيخ اختصر تاريخ اليمن من بعد تسليم الشهيد صالح للسلطة في صورة.
يتحدث الأشخاص الذين يدرسون سيكولوجية الكاريزما عن " مأساة الأفق" والحقيقة أننا لا نهتم بشكل كاف عن مأساة ما وصلنا إليه، إذ أننا نواجه اليوم مشكلة من نوع آخر، مشكلة عدم قدرة الساسة على الظهور بمظهر السياسي المخضرم أو بالأصح السياسي المحترم، وهي معضلة يصعب إيجاد حل لها، طالما والظروف أتت بهم على وجوههم لمناصبهم ولم تأتي بهم صناديق الاقتراع، وبالتالي وجب علينا التكيف مع هذا الوضع الذي بات مصدر إحباط للجميع.
في تقديري هناك مجموعة من الحقائق المؤكدة التي ينبغي استحضارها في قراءة المشهد السياسي ومساراته ونتائجه، لا ينبغي لنا نسيانه أو تجاوزه إذا أردنا بناء موقف عقلاني تجاه الفشل الذي دائماً ما تقودنا إليه الشرعية، وهو أن مسار الفضية اليمنية في اللحظة الراهنة محكوم إلى حد كبير بمصالح الدول الفاعلة في المنطقة والعالم، ووكلائهم على الأرض بصورة متفاوتة على رأسهم ميليشيا الحوثي الإرهابية وغيرها من الأحزاب والجماعات والشخصيات ذات النزعه الانفصالية والمناطقية، وهذا الأمر يعود إلى تركيبة الشرعية التي يفترض أن تكون أكثر إقناعاً للعالم بأنها قادرة على تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقها وتعود لأرض الوطن وتتولى مهام تحرير البلد كما جرت الأمور في سوريا والسودان وإن اختلفت المعطيات المتوفرة والأهداف والمصالح إلا أن الإرادة تبقى واحدة.
عموماً ليست لدينا أي مشكلة مع الشرعية بتركيبتها الحالية إذا ما توفرت لديها الإرادة السياسية لتحرير البلد واستعادة القرار السيادي بما يخدم المصلحة العامة، هنا يمكننا القول بأننا سنقف لجانبها وسنكون عوناً لها على الأرض لاجتثاث ميليشيا الحوثي والعودة جميعاً لأرض الوطن، غير ذلك تبقى الشرعية حالها كحال الجماعات الوظيفية التي تعمل لصالح أنظمة ودول خارجية.