إرباك وهروب جماعي من صنعاء.. الخوف والانهيار يدب في صفوف القيادات الحوثية بعد سقوط نظام الأسد

تعيش مليشيا الحوثي في اليمن، المدعومة من إيران، حالة من القلق والخوف بعد انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، والذي كان يعد أحد أبرز حلفاء طهران في المنطقة، وهو ما يُنظر إليه كضربة قاسية لما يسمى بـ"محور المقاومة" الذي تقوده إيران في المنطقة.

سقوط نظام بشار الأسد وقبله تفتيت حزب الله اللبناني بعد مقتل العشرات من كبار قياداته على رأسهم حسن نصر الله، علاوة على مقتل قيادات إيرانية عسكرية بارزة في الحرس الثوري وفيلق القدس بضربات جوية في سوريا والعراق، يعني تغييرات جذرية في توازن القوى في المنطقة.

بالنسبة للحوثيين، الذين يعتبرون أحد أبرز وكلاء إيران في العالم العربي، يمثل سقوط الأسد تطوراً مقلقاً يهدد مستقبلهم السياسي والعسكري، خصوصاً والأسد كان يُعد ركيزة أساسية في محور المقاومة الإيراني، لقرب سوريا الجغرافي من إيران بالإضافة إلى اذرعها في لبنان والعراق، ولذا كان استمراره في السلطة طيلة السنوات الماضية مؤشراً على تماسك وتخادم ما يسمى "محور المقاومة"، وانهيار نظام الأسد في غضون أيام يظهر تخلي طهران عن نظام الأسد نتيجة تهالك فعلي لهذا المحور.

غليان شعبي متنامٍ

محللون ومراقبون يؤكدون أن الحوثيين الذين يعيشون بمعزل جغرافي عن بقية اذرع "المحور" إلا من تهريب الأسلحة الإيرانية والمعدات العسكرية والمخدرات وإرسال خبراء في الحرس الثوري إلى اليمن لإدارة الملف السياسي والعسكري للمليشيا، باتوا اليوم أكثر من كل يوم يخشون التطورات الأخيرة بما في ذلك العقوبات الدولية على طهران، والتي مؤكد أنها ستؤدي إلى تراجع النفوذ الإيراني، علاوة على الغليان الشعبي المتنامي في اليمن لأكثر من عشر سنوات على الحرب والخراب وانقطاع الرواتب وتفاقم الأزمة الاقتصادية.

واضافوا لوكالة "خبر"، أن سقوط الأسد يعني بشكل أو بآخر، تآكل أحد أضلاع هذا المحور، مما يضع الجماعة في موقف أكثر هشاشة على الصعيدين السياسي والعسكري.

وحسب المراقبين والمحللين، فإن سقوط النظام السوري جاء في وقت تعاني فيه إيران من عزلة متزايدة وتحديات داخلية وخارجية، ما يجعل دعمها لحلفائها في اليمن وسوريا ولبنان أكثر تعقيداً.

إرباك وهروب جماعي

في السياق، قالت مصادر عسكرية رفيعة لوكالة "خبر" إن مليشيا الحوثي تدرك أن الدعم الإيراني أخذ يتراجع نتيجة التركيز على احتواء الخسائر في سوريا، مما يضع الجماعة في موقف ضعيف للغاية أمام خصومها على الساحة اليمنية، سواء من الحكومة الشرعية أو من التحالف العربي.

واوضحت المصادر، أن التقارير الواردة من داخل صنعاء، الخاضعة لسيطرة الحوثيين، تشير إلى حالة من التوتر والارتباك في صفوف قيادات المليشيا، حيث بدأت باتخاذ تدابير أمنية مشددة خوفاً من أي انتفاضات داخلية أو تحركات شعبية تستغل تراجع الهيمنة الإيرانية بعد سقوط نظام الأسد.

في الوقت نفسه، تعزز المليشيا خطابها الدعائي لمحاولة رفع معنويات أنصارها، إلا أن الشارع اليمني يبدو أكثر وعياً بتغير معادلات القوة في المنطقة.

بالتزامن، تؤكد مصادر "خبر" الخاصة، تغيير قيادات حوثية بارزة مقار سكنها في صنعاء وانتقالها إلى أحياء أخرى غير معروفة وفي سرية تامة، وحدّت من تحركاتها، في الوقت الذي شوهدت سيارات فخمة مضادة للرصاص تغادر صنعاء على فترات متفاوتة باتجاه محافظة صعدة معقل زعيم الجماعة، والتي سبق وأن حصّنتها بشبكة انفاق واسعة تحسباً لهذه اللحظة.

التحركات الموغلة بالسرية التامة باتت ملحوظة في الحديدة أيضاً، وسط تأكيدات أنها عمليات إجلاء قيادات حوثية رفيعة وأخرى من قيادات الحرس الثوري الإيراني.

تجارب سياسية فاشلة

على الصعيد الإقليمي، يرى المراقبون، أن سقوط الأسد يمثل ضربة كبيرة لما يُعرف بمحور المقاومة الإيراني، الذي كان يعتمد على بقاء سوريا كركيزة استراتيجية في المنطقة، ما قد يؤدي إلى إعادة رسم التحالفات وتقليص النفوذ الإيراني في اليمن، وهو ما قد يضعف موقف الحوثيين في أي مفاوضات سلام مستقبلية.

ومع تراجع هذا المحور، يجد الحوثيون أنفسهم في مأزق حقيقي، حيث تتضاءل فرصهم في الاستمرار كقوة إقليمية ويفقدون أحد أهم عوامل الدعم السياسي والعسكري.

كما أن هذا التطور قد يدفع بعض القوى الدولية إلى محاولة إنقاذ المليشيا بالدفع بها نحو تسوية سياسية وهو ما يصب لصالحها مقارنة بالقضاء عليها مثلما حدث لنظام الأسد، خصوصاً وقد ظهرت مؤشرات ذلك واضحة في اجتماع عقده مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يوم الأحد 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أكد فيه تمسكه بالمرجعيات الثلاث والممثلة بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن 2216، بدلاً من تشديده على القضاء على الحوثيين ومعاقبتهم على جريمة الانقلاب على النظام وما لحق بالشعب جراء ذلك.

وفي كل الأحوال، وفي ظل هذه التطورات، أصبحت المليشيا الحوثية أكثر من أي وقت مضى في مواجهة عزلة دولية وإقليمية متزايدة قد تعجل بنهايتها.

وفي هذا الصدد، يشدد عسكريون ومراقبون على أن أي تسوية سياسية مع المليشيا الحوثية دون هزيمتها عسكرياً ليس إلا خيانة للشعب اليمني، وترحيلاً للأزمة وفك الحبل من حول عنق الجماعة لإعادة ترتيب أوراقها عسكرياً واقتصادياً، خصوصاً والشعب اليمني لم يعد قادراً على تحمل مزيد من المداهنات والتجارب السياسية الفاشلة بعد ما تجرعه خلال عشر سنوات من الحرب والتشريد والتنكيل والملاحقة.