تحليل بريطاني: الحوثيون تحدوا النظام الدولي ولابد من سحقهم
نشرت مجلة "لونج وار جورنال" الأمريكية، تحليلاً بريطانياً قرأ أبعاد كواليس مشاورات وحوارات ومفاوضات وأحداث مع مليشيا الحوثي، تناثرت على امتداد سنوات عقد كامل، لم تكن إيران وحزب الله اللبناني في معزل عنها، ولم تقتصر على الجوانب السياسية، بقدر ما عرجت على العسكرية والإنسانية، وكيف يتاجر الحوثيون بالقتلى والمواطنين المتضررين في الملف الإنساني، لتعزيز قدراتها العسكرية، حد بلغ بهم الغرور تحدي النظام الدولي، دون أن يغفل التحليل عن ضغوط مورست على السعودية لإخراجها من المشهد اليمني وتسليم اليمن للحوثيين، وفوق ذلك الدفع إن لزم الأمر بغية حصولها على الحماية.
التحليل، الذي أعدّه "إدموند فيتون براون"، وهو مستشار أول لمشروع مكافحة التطرف، وعمل سابقا سفيرا لبريطانيا في اليمن ومنسقا لفريق مراقبة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتنظيم داعش والقاعدة وحركة طالبان، ما أكسبه قراءة عميقة للمشهد وابعاده، وتطوراته، أكد أن "الحوثيين مصدر قلق لكل من يهتم برفاهية الشعب اليمني واستقرار شبه الجزيرة العربية والأمن في البحر الأحمر وباب المندب".
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد -بالنسبة له-، لطالما "الدور البارز الذي أخذوه على عاتقهم منذ السابع من أكتوبر في"محور المقاومة" رفع هذه المخاوف إلى مستوى جديد. فمن بين الجماعات المتطرفة والإرهابية التي تستلهم توجيهاتها من إيران، الحوثيون الذين أصبحوا متحمّسين بشكل متزايد للمشاركة في الحرب مع حماس وحزب الله وإيران والمليشيات الشيعية العراقية"، مشيراً إلى أن الأدلة "تُظهِر أن الإيرانيين شركاء متورطون تماما في هذا العدوان".
وذكر "براون"، انه بعد ان قضى "الكثير من الوقت في التفاوض مع الحوثيين" في وقت كان "مركزاً فقط على تحقيق السلام في اليمن"، أكد أنه يود أن يحذر "من أن هذه (الحركة الحوثية) ليست حركة تحريرية، بل هي جماعة شديدة العنف والقسوة".
وأستذكر "براون" في هذا الشأن "لحظتين من الوضوح الوحشي نبعت من كبار قادة الحوثيين"، قال "الأولى كانت عندما أخبروني، قبل وقت طويل من قيامهم بذلك بالفعل، أنهم كانوا في تحالف مصلحة فقط مع علي عبد الله صالح، وبمجرد أن يتوقف عن كونه مفيدا لهم، فسوف يقتلونه".
أما الثانية، حسب ما أورده في مقاله التحليلي (عندما أخبروني أنهم سينتصرون حتماً في اليمن في النهاية (...) "لأنكم تهتمون، ونحن لا نهتم (...) أنتم تهتمون بموت اليمنيين... نحن لا نبالي بعدد القتلى منهم (...) فعندما يقتل عدد كافٍ من اليمنيين، ستتوسلون إلينا لإحلال السلام".
وأضاف: "ففي وقت لاحق، عندما رأيت قناصتهم في عدن وتعز يقتلون المدنيين من أجل المتعة، والأطباء والممرضات في مستشفى يختبئون تحت إطارات النوافذ لممارسة أعمالهم خوفا من قناص حوثي متمركز على سطح أحد المباني كان يطلق النار على أي شخص يظهر نفسه من النافذة - عادت كلمات من حاورني آنذاك إلى ذهني".
تسليم اليمن للحوثيين
المستشار "براون"، الذي كانت له تجربة واسعة مع مليشيا الحوثي -التي اجتاحت صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014-، أثناء عمله سفيرا للمملكة المتحدة لدى اليمن، ما بين الفترة نوفمبر 2014 إلى يناير 2017، من خلال خوضه معها سلسلة لقاءات وحوارات، كانت أبرزها في عمان والكويت وجنيف، استطاع أن يقرأ بُعدها الطائفي وتركيبتها الأيديولوجية وسيكولوجية الحركة على البعدين المحلي والدولي، وكيف تستثمر موت اليمنيين بالضبط.
وقال، إن "اهتمام الحوثيين بإحياء الزيدية يُصوَّر أحياناً على أنه سلمي في مراحله المبكرة، ولكنه كان دائماً قائماً على نخبوية وحصرية قبيلة الحوثي التي تنحدر منها قيادتهم، مشيراً إلى انها استلهمت أفكارها من حزب الله اللبناني (وبالتالي من إيران بطبيعة الحال)".
وأكد أن "حسن نصر الله ومحمد حسين فضل الله" شاركا "في تطوير أيديولوجيتهم. ويكاد اسم أنصار الله يكاد يكون مرادفاً لحزب الله في اللغة العربية، كما أن الجماعة عنيفة بطبيعتها"، لافتاً إلى أن مشاركة مليشيا الحوثي "في الحوار الوطني سيئة النية، حيث كانوا يستولون تدريجياً على المحافظات الشمالية في اليمن ويستعدون للهجوم على صنعاء، الذي شنوه في سبتمبر 2014".
وأشار إلى أن تقدم مليشيا الحوثي في المحافظات بعد اجتياح صنعاء، "بلغ أقصى مداه في عام 2015 قبل أن تتمكن الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية من دفعهم إلى منتصف الطريق نحو صنعاء، واستقرت خطوط المعركة إلى حد كبير على مدى العقد الذي أعقب ذلك".
على مدى السنوات العشرين الماضية، تكبد الحوثيون خسائر بشرية فادحة من القتال مع خصوم مختلفين، بمن في ذلك السعوديون، لكنه لم يحدث شيء لإقناعهم بالتنازل أو تعديل نهجهم، حسب قوله. فهم يستفيدون من ارتفاع خسائرهم البشرية للمساومة في الورقة الإنسانية وجني المكاسب الميدانية.
كما أن قادتهم الميدانيين اعتادوا "على الثروة المتراكمة والخوف الناتج عن اقتصاد الحرب. كما أصبحت علاقاتهم مع إيران وحزب الله اللبناني أوثق حيث اعتمدوا على كليهما في الإمدادات العسكرية والتدريب والدعم الفني".
وتطرق إلى أن الحوثيين "شجعوا الدعاية ضد السعوديين وحلفائهم الغربيين لتحقيق نتائج طيبة" بالنسبة لهم. خصوصا وقد أدركت السعودية أن "الحرب كانت غير شعبية في الغرب"، فافتقرت إلى "الدعم للضغط من أجل تحقيق النصر للحكومة المعترف بها دوليا. وبدلاً من ذلك، أصبحت حريصة بشكل متزايد على الخروج من الصراع، حتى لو كان ذلك يعني تسليم اليمن للحوثيين ودفع أموال الحماية لتركهم في سلام".
إحياء التحالف السعودي
ولفت إلى أن هناك سؤالا مثيرا للاهتمام، "يجب مراعاته من وجهة نظرهم (أي الحوثيين) : هل كان المجتمع الدولي ساذجا في فشله في تقديم الدعم غير المشروط للحكومة المعترف بها دوليا، وهل كان هذا يرجع إلى حد كبير إلى العداء الانفعالي للسعوديين الشائع في الدوائر التقدمية الغربية؟".
واجاب على هذا السؤال، في تساؤل آخر، حيث يرى بانه في ظل تشكيل الحوثيين "تهديدا مزمنا حقيقيا لبحر العرب ويعتزمون احتجاز حرية الملاحة في البحر الأحمر رهينة لأي مصلحة تكتيكية يختارون متابعتها، فهل يصبح من المحتم محاولة إحياء وتمكين التحالف السعودي مع الحكومة اليمنية لقمعهم؟".
وللتأكيد على أن المفاوضات مع مليشيا الحوثي بعيداً عن الحسم، لن تأتي ثمارها، مستشهدا بتجارب عديدة أجراها بنفسه، واستحضرها -في سياق تحليله- من ارشيف ذكرياته معها خلال الفترة من نوفمبر 2014 إلى يناير 2017، والتي كان خلاله قد استعاد تولي منصب السفير، -وقام بالفعل بهذه المهمة ــ في جدة بعد الانسحاب من صنعاء في أوائل عام 2015، حد قوله.
وذكر أن من بين ذلك "المحادثات المروعة" التي جاءت في وقت مبكر للغاية من وجوده في مسقط، حينما سافر "لتسهيل الاتصال بين الولايات المتحدة والحوثيين، الذين كانوا في ذلك الوقت على استعداد للتحدث إلى البريطانيين ولكن ليس الأمريكيين".
وأوضح أن سلطنة عمان استضافت جلستين من المحادثات بينه وكبار الحوثيين، بلغت نحو عشر ساعات من المناقشات المكثفة والمفاوضات باللغة العربية". نجح خلالها في "تأسيس الاتصال بين الولايات المتحدة والحوثيين بالفعل قبل وقت طويل من محادثات السلام في يونيو 2015 في جنيف. وجربنا كل شيء لتحقيق السلام ولكننا فشلنا".
ثم جاءت محادثات الكويت في ربيع وصيف عام 2016، والتي استمرت قرابة ثلاثة اشهر، ووصفها بـ "محادثات السلام الحقيقية"، لاعتقاده "أنها ربما كانت أقرب ما توصلنا إليه من اتفاق سلام (وإن كانت بشروط مواتية للغاية للحوثيين) حتى عام 2023".
وذكر "براون" أن الجهات التي أشرفت عليها وحضرتها هي: "الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والعديد من مجموعة السفراء الداعمين للسلام في اليمن، والمعروفة آنذاك باسم مجموعة الثماني عشرة". غير أن الحوثيين قدموا "مطالب غير معقولة إلى ما لا نهاية"، علاوة على "الانغماس في نوبات الغضب، والانسحاب، والتهديدات، والاتهامات المتبادلة، وتغيير موقفهم التفاوضي من يوم لآخر".
واضاف: كانت هناك مواجهة عندما تم إغلاق حساب المفاوض الحوثي الرئيسي، محمد عبد السلام، على فيسبوك بسبب المواد البغيضة الموجودة عليه. كان إصلاح هذه المشكلة ــ إعادته إلى موقع فيسبوك على الرغم من المواد البغيضة ــ يتطلب إظهار هويته، التي تشير إلى أنه يبلغ من العمر 13 عاما. وتبين أنه سافر إلى الكويت بجواز سفر نجله.
وأشار، كان وفد الحوثيين يضم كبار الشخصيات الحقيقيين الذين ما زالوا يشغلون مناصب مهمة في الحركة حتى يومنا هذا. ولكن لا بد لي من تسجيل تأملات أحد الساسة اليمنيين المحترمين، عبد الكريم الإرياني، الذي كان موته أثناء فترة عملي في اليمن بمثابة مأساة نهاية عصر. وفي حديثه عن مهدي المشاط، العضو الأكثر إزعاجاً وتخريباً في الوفد، قيل إن الإرياني علق بأن تفضيله لدور كبير في تلك الأيام كان بمثابة إشارة منه للرحيل والموت.
واستعرض شخصية "مهدي المشاط" الذي "نشأ في صعدة كرجل بلطجي عديم الجدارة، وكانت مصادفة أنه كان في دائرة عبد الملك الحوثي. ومن الواضح أن هذا مؤهل كافٍ للارتقاء إلى مناصب عالية في الإدارة الفعلية، التي يتمتع الآن بلقب "رئيس"، حد قوله.
وذكر أن المفاوضات التي كان محمد عبدالسلام يمثلها، كانت اقتربت أكثر فأكثر من التوصل إلى اتفاق تشكلت ملامحه "حيث يحتفظ الحوثيون بمعظم مقاليد السلطة في اليمن، وتنسحب السعودية بكرامة، وسوف يتم تهميش الرئيس هادي، لكن مفاوضيه (الحوثي) أدركوا أن السعوديين وغيرهم لن يدعموهم في معارضة هذه النتيجة".
السفير البريطاني الذي كان وبقية الأطراف المشرفين على المحادثات اعتقدوا أنهم توصلوا إلى اتفاق، تفاجأوا بتغيير "التعليمات من صعدة. وقيل إن عبد الملك كان غاضباً من "تنازلات" عبد السلام المزعومة. وانسحب الحوثيون، وتجمدت محادثات السلام لسنوات. وكانت العواقب وخيمة".
عواقب وخيمة
استعرض "براون"، من بين تلك العواقب الوخيمة، عدم تحرك خطوط المعركة "خلال السنوات الثماني الماضية، بقدر ما حدث في الفترة 2014-2016"، رغم الخسائر البشرية والأضرار التي عانت منها اليمن. "فإلى جانب صنعاء، تعرضت مدن متنازع عليها مثل الحديدة وتعز ومأرب للدمار". فضلا من أن "الأمم المتحدة قدرت أن انعدام الأمن الغذائي الحاد يؤثر على ملايين اليمنيين".
ووفقا لتحليله، كان تركيز السفير البريطاني والمجتمع الدولي حول صنع السلام. وقد حد هذا من شهية وصف الحوثيين بالجماعة الإرهابية حتى تسببت هجماتهم المتزايدة خارج حدود اليمن في بدء الأمر داخل السعودية، في تحول في الرأي العام. مضيفاً: "في أوائل عام 2021، في وقت انتقال إدارة ترامب إلى إدارة بايدن في واشنطن العاصمة، صنفت الولايات المتحدة الحوثيين لأول مرة كإرهابيين في يناير، ثم تم رفع التصنيف في فبراير".
وتطرق إلى مهارة السياسة الإماراتية، تجاه تنفيذ الحوثيين هجوما قاتلا بطائرات بدون طيار وصواريخ على أبو ظبي في يناير 2022، حيث استخدمت هذه الأخيرة بمهارة وضعها المؤقت في مجلس الأمن لتأمين القرار 2624، الذي صنف الحوثيين كمجموعة إرهابية لأول مرة من قبل الأمم المتحدة.
وحسب "براون"، كان هذا هو الوضع في السادس من أكتوبر 2023، ولكن الآن تغير السيناريو بشكل كبير. فقد شرع الحوثيون في برنامجهم المتهور لمهاجمة الشحن في البحر الأحمر وباب المندب. وكان تسامح واشنطن وغيرها من الدول مع مثل هذه الأعمال العدوانية يتجاوز نقطة الانهيار.
واعتبر "مقتل عشرة حوثيين وإغراق ثلاثة من قواربهم على يد البحرية الأمريكية أواخر ديسمبر رسالة واضحة للحوثيين وإيران مفادها أن هذا العدوان لن يُسمَح به". غير أن ذلك لم يغير في وضعهم العدواني شيئاً "مما أدى إلى صدور قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدين أفعالهم، وأخيراً سلسلة من الضربات الأمريكية والبريطانية. وقد استمرت جهود الإنفاذ المناهضة للحوثيين، لكنها لم تنجح بعد في الردع".
وإلى جانب الحوثيين، ادعت إيران علناً لنفسها الحق في التدخل في سلامة الشحن الدولي في البحر الأحمر ومعارضة أي جهود دولية لتأمينه. ويُعتقد أن سفينة التجسس الإيرانية "بهشاد" كانت تتولى توجيه بعض هجمات الحوثيين. ومع ذلك، فإن مثل هذه الأصول البحرية الإيرانية معرضة بشكل محتمل للتدخل من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا، وفق تعبيره.
حرب غير متكافئة
وما أثار اهتمام المستشار والسفير البريطاني السابق "براون"، أكثر "أن الأمم المتحدة أعلنت في أواخر ديسمبر عن "خطوة مهمة" نحو وقف إطلاق النار في اليمن. (والتي تمثلت بتراجع الحكومة عن قرارات نقل البنوك التجارية الخاصة من صنعاء الخاضعة للحوثيين إلى عدن الخاضعة لسيطرتها) واحتفل مبعوثها بهذا التقدم المفترض دون الإشارة إلى هجمات الحوثيين على الشحن الدولي". الأمر الذي يعتقد أنه ربما كان "هذا التلميح الحوثي إلى التقدم نحو وقف إطلاق النار ومحادثات السلام خطوة محسوبة لاستغلال رغبة المجتمع الدولي الراسخة في السلام في اليمن وجعل اتخاذ إجراء حاسم ضدهم وإيران أكثر صعوبة عندما يمكن اعتبار ذلك تقويضا لهذه الآفاق".
ويؤكد أن السعوديين يريدون "بالفعل الخروج من حرب يشعرون أنهم محاصرون فيها منذ سنوات. وقد ذهبوا مؤخرا إلى حد الضغط على الحكومة الشرعية في اليمن للتراجع عن تحدي وضع البنوك في صنعاء، على الرغم من أن مثل هذه المؤسسات المالية، بحكم التعريف، تعتبر متورطة في تمويل الإرهاب".
وفي ظل رغبة المجتمع الدولي بتخفيف الاحتياجات الإنسانية في اليمن، مع علمه أن الحوثيين سيستمرون في استغلال الأزمة الإنسانية كسلاح لتعزيز مصالحهم. يتساءل "براون": هل من الممكن السعي إلى السلام في اليمن والردع في البحر الأحمر وباب المندب في وقت واحد؟
ويجزم في قراءته التحليلية أن الإجراءات الأميركية الأخيرة، و"تشكيل تحالف مع المملكة المتحدة ودول أخرى لمواجهة العدوان الإيراني والحوثي، ستكون الأولوية. وبالفعل، يجب أن تكون كذلك. فحق الشحن في عبور طرق الملاحة الدولية سلمياً أمر راسخ ولا بد من تعزيزه".
ولأن الحوثيين ليسوا حكومة معترفاً بها، ومهاجمتهم بشكل متناسب ليس عملاً من أعمال الحرب ضد اليمن، لا يرى هناك سبباً لاعفاء قياداتهم من الاستهداف أكثر من قيادات تنظيم داعش أو القاعدة، حد تأكيده.
وأشار إلى أنه ليس هناك محادثات الأمم المتحدة الجديدة مرحبا بها من أجل مصلحة الحوثيين، "ولكنها لا تتعلق بإنفاذ القانون البحري، ومواجهتهم عواقب وخيمة إذا استمرت هجماتهم".
الشرط الوحيد، بالنسبة لـ "براون" هو أن لا يؤدي العمل الحركي إلى إلحاق الضرر بالبنية الأساسية الحيوية على الساحل اليمني، وخاصة ميناء الحديدة، الذي يشكل ضرورة أساسية للعمليات التجارية والإنسانية التي تعتمد عليها رفاهة العديد من اليمنيين.
وفي الوقت نفسه، شدد على إعادة النظر "إلى مدى تحويل الحوثيين واستغلالهم للمساعدات الإنسانية". والإشارة "إلى أن الحوثيين أنفسهم يهددون اليمنيين بالمجاعة من خلال ردع السفن عن الاقتراب من الحديدة".
وتطرق إلى فرض الحوثيين "ضريبة على المساعدات الإنسانية التي تدخل الأراضي التي يسيطرون عليها من أراضي الحكومة اليمنية". غير أن هذا ليس مبرراً كافياً "لرفض فكرة تحويل المزيد من المساعدات عبر عدن وغيرها من الموانئ التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية".
وذكر أنه خلال فترة عمله كسفير، "كانت هناك سلسلة لا نهاية لها من الحوادث التي اتُهمت فيها إيران بتسليح الحوثيين. وكان هذا الوضع يُنكر دائما، وكان من الصعب الحصول على إجماع دولي بشأنه، على الرغم من وجود أدلة قوية".
بالمقابل، كانت المعاملة بالمثل واضحة في جوانب أخرى، من بينها اعطى الحوثيون الأولوية في عام 2015، لإطلاق سراح السجناء الذين تهتم بهم إيران، وفقا للسفير السابق "براون" الذي لم يغفل عنه ذكر "الدعم الفني والمالي واللوجستي الذي يتمتع به الحوثيون من إيران وحزب الله اللبناني".
وهو ما يرى أن دعم إيران للحوثيين في البحر الأحمر بات واضحاً الآن، بما في ذلك سفينة التجسس بهشاد، مضيفاً: "وهذا يقودني إلى النقطة الأخيرة، وهي المشكلة التي لا يرغب أحدٌ بالتطرقِ إليها: فعند أي نقطة سنحمل إيران المسؤولية المباشرة عن الحرب غير المتكافئة التي شنتها علينا؟".
ومع التساؤلات عن سبب عدم إغراق بهشاد، يرى السفير السابق "براون" أنها رسالة واضحة لإيران. واستشهد بنشر الهند في أواخر ديسمبر، سفناً لتحذير إيران من أي تعطيل آخر لممرات الشحن في المحيط الهندي، وتراجعت طهران حينها.
ولكن مع استمرار وكلاء إيران في شن هجمات معادية لأميركا ــ وخاصة إذا قُتل المزيد من الأفراد الأميركيين ــ فإن واشنطن ستضطر إلى فرض عواقب مباشرة على إيران.
ولا يمكن لطهران أن تتراجع من دعمها وتصعيدها عبر الحوثيين، في ظل عدم رغبة واشنطن في الدعوة إلى العمل العسكري خلال الفترة الماضية، "ولكن يبدو الآن من الممكن أن تستمر إيران ببساطة في التصعيد حتى تضطر إلى التراجع في مواجهة رد أقوى".
مؤكداً، أنه لا يمكن إعادة حسابات شهية إيران في "المخاطرة إلا إذا واجهت الآن عقوبات شديدة ومستهدفة على عدوانها، إلى جانب رسالة واضحة مفادها أنه سيكون هناك المزيد في المستقبل إذا لزم الأمر.
ومن المأمول بشدة أن يكون الرد الأميركي الحالي، بإرسال الأصول العسكرية إلى المنطقة، كافيا لردع إيران وحزب الله والمليشيات العراقية والحوثيين عن المزيد من التصعيد، في تأكيد أن الحزم العسكري هو الكفيل بالردع لطهران.