نكبة 21 سبتمبر.. اليمنيون يستذكرون شواهد عقد كامل من العبودية السلالية

في مثل هذا اليوم، 21 سبتمبر/ أيلول 2014، يستذكر اليمنيون تعرض بلادهم لأسوأ نكبة في تاريخها الحديث، حينما انقلبت مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، وبإسناد أمريكي غير مباشر، على النظام الجمهوري في اليمن، انتقاماً لأسلافها الإماميين الذين سقطت أصنامهم صبيحة 26 سبتمبر من العام 1962، حتى إنهم اختاروا هذا الشهر عنوة، لإشباع نزواتهم، حيث ساموا اليمنيين سوء العذاب طيلة عقد كامل، وأعادوا عنصريتهم ومنهجيتهم التجويعية بما هو أشد.

في مثل هذا اليوم، يستحضر اليمنيون المئات من الجرائم والانتهاكات الحوثية، أبسطها تفجير المنازل ودور القرآن والمساجد وتحويل المدارس إلى متاريس والمستشفيات إلى ثكنات لمليشياتها، فيما عشرات آلاف المرضى يصارعون الموت في منازلهم.

يستذكر اليمنيون، استهداف مليشيا الحوثي للمناطق السكنية ومخيمات النازحين بالصواريخ البالستية وقذائف المدفعية والأسلحة الرشاشة والطائرات المسيّرة (إيرانية الصنع)، وأعمال القنص التي تستهدف الأطفال والنساء بشكل مباشر، لمنعهم من الوصول إلى مزارعهم ومراعيهم وآبار المياه، علاوة على حصار المدن وإغلاق الطرق المؤدية إليها، كنوع من العقاب الجماعي.

يستذكر اليمنيون جمعهم أشلاء أطفالهم ونسائهم وأحبائهم بعد أن مزقتها الألغام المزروعة في الطرقات والمزارع وحول آبار المياه والمنازل، وفي أماكن رعي المواشي، في وقت يستحضر المشهد اليومي بشكل إجباري لتلك الجرائم أثناء مشاهدة من فقدوا أطرافهم وباتوا يعانون من إعاقات دائمة، وبحاجة إلى من يساعدهم في اعالتهم وتحركاتهم.

في مثل هذا اليوم، يستذكر اليمنيون، يوم شرعنت المليشيا الانقلابية الإرهابية، نهب كامل إيرادات موانئ الحديدة، والمنافذ الجمركية المستحدثة في مداخل المحافظات الخاضعة لسيطرتها، وأموال المودعين في البنوك التجارية الخاصة، وضرائب شركات الاتصالات والشركات التجارية والمحال وغيرها.

يوم طالبت اليمنيين بدفع الزكاة لعشر سنوات سبقت انقلابها المشؤوم -حد تعبير ملايين اليمنيين-، واستحدثت هيئة خاصة بها فصلتها عن وزارة الأوقاف، واستغلت سيطرتها على المؤسسات الحكومية لتستخرج وثائق ومستندات مزورة بتواريخ قديمة، منحت نفسها أحقية نهب عقارات وأراضي وأملاك الدولة، بعد أن مضى على مالكيها عقود من استئجارها رسمياً.

يستذكر اليمنيون، تسريح مليشيا الحوثي الإرهابية، آلاف الموظفين من أعمالهم لمجرد أنهم عجزوا عن حضور الدوام بسبب عدم توفر أجور النقل إلى مقار أعمالهم، في الوقت الذي ترفض هذه المليشيا دفع مرتباتهم لأكثر من سبع سنوات، في الوقت الذي شرعنت لنفسها (قانون الخُمس) العنصري، واتاوات وجبايات يدفعها المواطنون قسراً تحت مسميات عديدة.

يستذكر اليمنيون، تدشين حقبة من الخدمات الحكومية المفقودة، وخصخصة المؤسسات الحكومية، بينها الكهرباء على سبيل المثال، واستثمار المباني ومحطات توليد الطاقة لصالح قيادات مليشيا الحوثي وبيعها للمواطنين بأسعار تجاوزت عشرة أضعاف ما كانت عليه، ومثل ذلك مصانع الأسمنت والبقوليات في عمران والحديدة وتعز وغيرها، حد حرمان العاملين في تلك المؤسسات من أبسط حقوقهم.

يستذكر اليمنيون، تهريب مليشيا الحوثي الأدوية والمبيدات المحظورة، وقتل اليمنيين بالمئات، دون يرف لها جفن. يوم نهبت المساعدات الدولية لتشغيل القطاع الصحي، واحتكرت عشرات المشافي والمراكز الصحية المدعومة لصالح قياداتها وعناصرها، دون وازع ديني أو أخلاقي.

يستذكر اليمنيون، يوم قال زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي، وخلفه قيادات الصف الأول من ذات السلالة، إن الله اصطفاهم على العالمين، واستخلفهم في الأرض لحكمها والتحكّم بمواردها، وحرّفوا تفسير كتاب الله والسنة النبوية، لإشباع نزواتهم السلطوية والسلالية، معتبرين المطالبة بالحرية من عبادتهم وأفكارهم الشيعية، والمساواة في الحقوق والواجبات، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع امتثالاً لقوله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم)، كفراً بواحاً بزعيمهم، عقوبة ذلك التغييب والسجون والاخضاع للمئات من جلسات التعذيب، حتى الموت أو ذهاب العقل والجنون، إن لم تكن النهاية الاقتياد إلى ساحة الاعدام.

يوم كرّس السلاليون مبدأ الولاء لزعيمهم معتبرين إياه فرضا واجبا، وزرعوه قسراً في المناهج الدراسية لطلبة المراحل الأساسية والثانوية والجامعية، وعززوه بمراكز صيفية تعبوية ودورات طائفية متلاحقة اقتادت إليها الموظفين سرا وعلانية، جوعا، وكرها، وجميعها مفخخة بالكراهية والحقد والانتقام من الآخر. يوم افرغوا المساجد من العبادة واحيوها بأهازيج البرع، وجلسات المقيل والسمر والاستماع لخطابات تبث لزعيمهم من سرداب مجهول، في مشاهد لم يشهدها بلد عربي او إسلامي أو حتى غربي.

يوم فرضوا على الشعب الفقير جراء حرب لم تتوقف رحاها، إحياء المولد النبوي بأسلوب باذخ، من خلال التزامهم بتمويله (شركات وتجار وباعة ومواطنين وطلبة مدارس وغيرهم)، معتبرين العجز في المشاركة أو الدعم، خيانة وولاء لليهود والنصارى، وجريمة لا تقل شأنا عن الكفر، ليس إلا لتثبيت موالاتهم التي يزعمون أنه فرضها النبي، وفي نفس الوقت استدراجا إلى طاعتهم العمياء في مخرجات مناسباتهم الطائفية (حسينية وزيدية وغيرها).

فماذا عسى الشعب اليمني يستذكر من محاسن في مثل هذا اليوم من النكبة. يكفي فقط لو استذكرنا أن هناك أكثر من خمسة ملايين يمني نزحوا من ديارهم، بينهم أكثر من ثلاثة ملايين نازح لا يزالون حتى اللحظة يفترشون عراء قيعان محافظة مأرب في مخيمات لا تقيهم موجات الحر والبرد وزخات الأمطار، إمّا هروباً من الاعتقالات والملاحقات والفرز السياسي والمذهبي، أو قسراً إثر وقع القذائف وازيز الرصاص والتفخيخات والعسكرة فوق وبمحيط المنازل والمزارع والمتاجر وغيرها من مصادر الرزق، وإغلاقها ومنع الوصول إليها.

ويكفي أن نستذكر فقط، الإعدامات الجماعية، واستحداث عشرات السجون والمعتقلات، واقتياد آلاف اليمنيات، وتعرضهن للتعذيب النفسي والجسدي، والتحرش الجنسي، حد جرائم الاغتصاب بحقهن، وهو ما وثقته تقارير أممية باعتراف الضحايا، ومثل ذلك الأطفال الذين اخضعتهم المليشيا لدورات وجندتهم في صفوفها. وهذا بحد ذاته يكفي لاندلاع الف ثورة في وجه هذه المليشيا التي تمعن في تعذيب اليمنيين، وتتلذذ في هتك أعراض القبائل.

يكفي أن نستذكر كم شخصاً وفتاة توفوا تحت التعذيب، أو انتحروا في السجون هروبا من مواجهة العار المجتمعي بعد خروجهم. وكيف تستخدم المليشيا من تهمة الدعارة الكيدية للمختطفات سلاحا في إذلال القبائل، في عيب أسود لم يحدث في تاريخ الحروب اليمنية والدولية.

والكثير من هذا وذلك، يروي فصولا من الإجرام الحوثي، كل فصل منه كفيل بإشعال ثورة. وبمناسبة ذكر الثورة، نستذكر حملات الاعتقالات المسعورة، التي تشنها مليشيا الحوثي الإيرانية هذه الأيام واستهدفت قيادات سياسية، واكاديميين، وناشطين، وطلبة مدارس وغيرهم.. ومن الجنسين، بتهمة الدعوة للاحتفال بالعيد الوطني الـ62 لثورة 26 سبتمبر المباركة، التي هدم خلالها اليمنيون في العام 1962، منظومة التمييز العنصري والطبقي السلالي.

هذه هي بضعة عناوين من فصول نكبة السلاليين الجدد. فكيف لغربالها أن يحجب شمس صبيحة 26 سبتمبر/ أيلول 1962، التي خرج اليمنيون مع اشراقتها يهتفون بلسان شاعرهم الكبير عبدالله البردوني:

أفقنا على فجر يوم صبي.. فيا ضحوات المنى إطربي

أتدرين يا شمس ماذا جرى؟.. سلبنا الدجى فجرنا المختبي!

وكان النعاس على مقلتيك.. يوسوس كالطائر الأزغب

أتدرين؟ أنا سبقنا الربيع.. نبشّر بالموسم الطيب؟

إلى أن قال:

أضأنا المدى قبل أن تستشف.. رؤى الفجر أخيلة الكوكبِ

فولّى زمان كعرض البغي.. وأشرق عهد كقلب النبّي

طلعنا ندلّي الضحى ذات يوم.. ونهتف: يا شمس لا تغربي