سقوط مدوٍ لماكرون بعد رهان خاسر بحل البرلمان الفرنسي والدعوة لانتخابات مبكرة

تكبد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هزيمة ثقيلة الأحد، في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية المبكرة. وكان يراهن على حدوث انقسامات في معسكر اليسار والرفض الشعبي لليمين المتطرف ويطمح للحصول على الأغلبية المطلقة عبر قراره حل البرلمان، إلا أن معسكره حل ثالثا بعيدا عن "التجمع الوطني" المتصدر والذي بات على أبواب السلطة.

تضعنا نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية المبكرة التي جرت الأحد أمام معضلة انهيار المعسكر الرئاسي والذي قد يحمل عواقب وخيمة على البلاد.

فمن خلال إعلانه عن حل الجمعية الوطنية (الغرفة السفلى من البرلمان) في 9 يونيو/حزيران، كان إيمانويل ماكرون يراهن على حصول انقسامات في تيار اليسار كتلك التي وقعت خلال الحملة الأوروبية من جهة، وعلى "حاجز جمهوري" جديد لتحقيق الفوز في الجولة الثانية أمام اليمين المتطرف.

لكن بعد ثلاثة أسابيع، ونظرا للرفض الذي قوبل به في صناديق الاقتراع من جهة، وتوحد اليسار والتسونامي الذي منح "التجمع الوطني" اليميني المتطرف نتائج مخالفة تماما لما كان الرئيس يتوقعه، حل ائتلافه الرئاسي "معا" ثالثا بنسبة 20,04 بالمئة من الأصوات، خلف "التجمع الوطني" وحلفائه (33,15 بالمئة) و"الجبهة الشعبية الجديدة" (ائتلاف اليسار) (27,99 بالمئة).

وكانت الاستراتيجية التي راهن عليها ماكرون قد نجحت في السابق في ثلاث مناسبات: في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لعام 2017، وفي الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لعام 2022 وهو ما ضمن له الفوز أمام مارين لوبان، ثم بدرجة أقل خلال الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية لعام 2022 للحصول على الأغلبية النسبية في البرلمان.

إلا أن ذلك "الحاجز الجمهوري" قد تصدع إلى حد كبير منذ عامين، بعد أن حصل حزب "التجمع الوطني" على عدد قياسي من مقاعد البرلمان بلغ 89. على الرغم من ذلك، اعتبر ماكرون ومجموعة صغيرة من مستشاريه أن الرهان سيكون مضمونا هذه المرة أيضا.

واثقا من نفسه، تفاخر الرئيس الفرنسي بقرار حل البرلمان وقارن تلك الخطوة بـ"قنبلة يدوية ألقى بها بين أرجل" خصومه، حسب اقتباس لصحيفة لوموند.

الرئيس كان في كل مكان لكنه قوبل بالرفض حتى من مرشحيه

على الرغم من ثقة ماكرون، فقد سادت في الأيام التي تلت ذلك أجواء من الشك في صفوف مرشحي وحتى قادة التحالف الرئاسي "معا". فقد اعتبر رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب "آفاق" إدوارد فيليب في 20 يونيو/حزيران بأن "رئيس الجمهورية قتل الأغلبية". بدوره، قال وزير الداخلية جيرالد دارمانان في اليوم التالي: "لن أكون وزيرا ليوم آخر"، معبرا عن يقينه في رؤية انهيار "الماكرونية".

مع ذلك، ظل ماكرون مقتنعا بأنه لا يزال في وسعه جمع الناس حول شخصه، إذ أجرى الكثير من المداخلات الإعلامية بما في ذلك مؤتمرا صحافيا وخرجات ميدانية بشكل متكرر، إضافة إلى رسالة للفرنسيين، ومقابلة طويلة عبر خدمة البث الصوتي، فيما فضل مرشحون من معسكره إزاحة صورته من منشوراتهم.

وبين موجة المد التي شهدتها الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية لعام 2017، حين كان يكفي للمبتدئين في المشهد السياسي الظهور إلى جانب ماكرون ليتم انتخابهم، وحملة 2024، فقد كان التناقض هائلا. يؤشر ذلك بوضوح على سقوط الرئيس ومعه "الماكرونية" بعد سبع سنوات في الحكم، بما في ذلك بداية فترة ولايته الرئاسية الثانية لخمس سنوات، وتميزت فترة حكمه خصوصا بخطة إصلاح نظام التقاعد التي تم إقرارها باستخدام المادة 49.3 من الدستور، إلى جانب قانون الهجرة الذي أثار الصدمة حتى في صفوف معسكره.

على أية حال، فقد أفرزت انتخابات الأحد تأهل الائتلاف الرئاسي للجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة، وذلك في 290 إلى 330 دائرة انتخابية. على الرغم من ذلك، لا تمنح توقعات استطلاعات الرأي معسكر الرئيس الفرنسي سوى 70 إلى 100 مقعدا تحت قبة الجمعية الوطنية بالجولة الثانية من الاقتراع المقررة في 7 يوليو/تموز.

"هدفنا واضح: منع التجمع الوطني من تحقيق الأغلبية المطلقة"

وبعدما أكدت النتائج هزيمة معسكره، بات ماكرون يكتفي بلعب دور الحكم بين حزب "التجمع الوطني" من جهة، و"الجبهة الشعبية الجديدة" من جهة أخرى.

وأفرزت النتائج أيضا عن ظهور عدد قياسي من المواجهات الثلاثية في 285 إلى 315 دائرة وفق الاستطلاعات. ومن ثمة، ستعتمد نتيجة التصويت على موقف مرشحي مجموعة "معا"، إما المضي في الترشح، أو الانسحاب لإفساح المجال أمام مرشحي تحالف اليسار، وكذا اختيار ناخبيهم، لتشكيل حاجز أمام حصول اليمين المتطرف على الأغلبية المطلقة.

في هذا السياق، أعلن التحالف الرئاسي في بيان تم إرساله إلى وسائل الإعلام عند حدود الساعة الثامنة مساء الأحد: "بمواجهة التجمع الوطني، فإن الوقت قد حان بشكل واضح لتجمع كبير يضم الديمقراطيين والجمهوريين لخوض الجولة الثانية" من الانتخابات التشريعية المبكرة.

وقال رئيس الوزراء غابرييل آتال إن "الدرس هذا المساء، هو أن اليمين المتطرف على أبواب السلطة"، مضيفا: "بالتالي، فإن هدفنا واضح: منع التجمع الوطني من الحصول على أغلبية مطلقة في الجولة الثانية". كما استنكر أتال "المشروع الكارثي" لحزب "ليبينيست (التيار السياسي لحزب عائلة لوبان)". كما دعا إلى "انسحاب مرشحينا الذين يمكن أن يؤدي احتفاظهم بالمركز الثالث إلى انتخاب نائب من حزب التجمع الوطني، وذلك لحساب مرشح آخر يدافع مثلنا عن قيم الجمهورية".

وبات من الواضح أن تصريحات الائتلاف الرئاسي لم تعد تشير كما كان الوضع عليه خلال الحملة الانتخابية قبل الجولة الأولى إلى الأحزاب "المتطرفة"، بل بات يختار بوضوح استهداف حزب "التجمع الوطني"، مع تركه لحالة من الغموض حيال مرشحي حزب "فرنسا الأبية".

لكن، قد توضح الأيام القليلة القادمة أكثر موقف ماكرون. في نفس الإطار، أعلنت ألبان برانلانت مرشحة تحالف "معا" والتي حلت ثالثة بالدائرة الأولى في إقليم سوم (شمال) مساء الأحد، انسحابها لإفساح المجال أمام فرانسوا روفان من "الجبهة الشعبية الجديدة"، الذي حل بالمركز الثاني، وقالت إن قرارها يبرره "خطر التجمع الوطني".

وبعد أن مُني بهذه الهزيمة الانتخابية والسياسية المدوية، بات ينبغي على ماكرون تفادي أن يذكره التاريخ الفرنسي على أنه ذلك الرئيس الذي سلم مفاتيح الحكم إلى اليمين المتطرف.