الانتخابات الأوروبية في مرمى نيران التدخل الأجنبي المستمر

بعد رئيس قائمة الحزب الاشتراكي-الساحة العامة، رافائيل غلوكسمان، في أبريل/نيسان الماضي، جاء الدور على رئيس قائمة حزب "الجمهوريون" في الانتخابات الأوروبية، فرانك إكزافييه بيلامي، ليكشف يوم الإثنين أنه كان ضحية محاولة هجوم إلكتروني صادر عن مجموعة ذات ارتباط بالحكومة الصينية. يعد هذا مثالا جديدا على تهديدات التدخل الأجنبي التي تواجهها الأحزاب السياسية في حملة الانتخابات الأوروبية.

تشهد فرنسا حلقة جديدة من حلقات التدخل الأجنبي في الانتخابات. فيوم الإثنين 6 مايو/أيار أعلن فرانك إكزافييه بيلامي، رئيس قائمة حزب الجمهوريون في الانتخابات الأوروبية (المقرر إجراؤها في 9 يونيو/حزيران المقبل)، عن تقديم شكوى بعد تعرضه لمحاولة هجوم إلكتروني من قبل مجموعة من المتسللين تسمى "أ ب ت 31"، والتي تعتبرها عدة دول، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، مرتبطة بالحكومة الصينية.

وقال فرانس إكزافييه بيلامي لوكالة الأنباء الفرنسية: "في الوقت الذي يبدأ فيه الرئيس الصيني شي جين بينغ زيارة دولة إلى باريس، لدينا شعور بأننا لم نتخذ ما يكفي من الإجراءات لمواجهة ما يعتبر ’على المحك‘ اليوم وأعني به التدخل الأجنبي في الانتخابات"، وعلينا "مطالبة إيمانويل ماكرون بوضع الحاجة إلى احترام البرلمان الأوروبي على الطاولة" خلال مباحثاته يومي الإثنين والثلاثاء مع نظيره الصيني.

فرانك إكزافييه بيلامي هو جزء من مجموعة من سبعة برلمانيين فرنسيين استهدفتهم "أ ب ت 31" في يناير/كانون الثاني 2021 بإرسال رسائل بريد إلكتروني ملغومة. وجميع هؤلاء النواب أعضاء في "التحالف البرلماني الدولي بشأن الصين"، وهي مجموعة تم إنشاؤها في عام 2020 للعمل بطريقة منسقة حول مختلف الموضوعات المتعلقة بالصين (كوفيد-19، قمع الأويغور، الاحتجاجات في هونغ كونغ...). لكنهم لم يكتشفوا وجود هذا الهجوم حتى نهاية مارس/آذار 2024، عندما نشرت وزارة العدل الأمريكية لائحة تتهم سبعة صينيين "بعملية قرصنة واسعة النطاق عالميا".

هجوم إلكتروني يعد صدى لحملة التضليل التي عانى منها قبل بضعة أسابيع مرشح أوروبي آخر هو رافايل غلوكسمان. فقد أبلغ رئيس قائمة الحزب الاشتراكي-الساحة العامة، المسؤول عن ملف قضية الأويغور المسلمين، في منتصف أبريل/نيسان الماضي أن الحسابات المرتبطة بالصين على الشبكات الاجتماعية اتهمته بأنه حصان طروادة للأمريكيين، ولا سيما وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه)، في أوروبا.

"لقد عاقبني النظام الصيني رسميا بالفعل، وقد ضاعف النظام الروسي بالفعل الأخبار والتهديدات المضللة ضدي، وليست هذه الافتراءات المثيرة للشفقة هي التي ستجعلنا ننحرف عن طريقنا الثابت والراسخ ألا وهو الدفاع الشرس عن ديمقراطيتنا وأوروبا"، هكذا كان رد فعل رافايل غلوكسمان في 16 أبريل/نيسان على منصة "إكس".

جميع انتخابات الديمقراطيات الليبرالية باتت الآن تحت التهديد

النائب الأوروبي وصله تحذير من "فيجينوم"، الوكالة الحكومية المسؤولة عن تتبع المعلومات المضللة خلال فترة الانتخابات، التابعة للأمانة العامة للدفاع والأمن القومي.

في بداية فبراير/شباط الماضي، كشفت "فيجينوم" عن شبكة "منظمة ومنسقة" من المواقع التي تنشر الدعاية الروسية في أوروبا والولايات المتحدة. تسمى هذه الشبكة "بوابة كومبات"، ولديها 193 موقعا. منذ ذلك الحين، اكتشفت "فيجينوم" 31 اسم نطاق جديد مرتبط "ببوابة كومبات"، تم إنشاؤها بين 20 و 26 مارس/آذار الماضي. وذكرت الوكالة الحكومية أن مواقع هذه الشبكة "لا تنتج أي محتوى أصلي ولكنها تنقل منشورات على نطاق واسع، معظمها من ثلاثة أنواع من المصادر: حسابات وسائل التواصل الاجتماعي للجهات الفاعلة الروسية أو الموالية لروسيا، ووكالات الأنباء الروسية والمواقع الرسمية للمؤسسات، والجهات الفاعلة المحلية".

يقول المقدم مارك أنطوان بريان، رئيس "فيجينوم"، في مؤتمر صحافي مع الوزير المفوض لأوروبا، جان نويل بارو، الأربعاء 24 أبريل/نيسان: "منذ منتصف عام 2010، لم تنج أي انتخابات كبرى في ديمقراطية ليبرالية من الهجمات السيبرانية".

وأكد مارك أنطوان بريان في ذلك اليوم أن "عام 2024 هو عام خاص جدا" بسبب الصراعات في أوكرانيا وغزة، ولكن أيضا "لأن فرنسا ستكون على موعد خاص جدا هذا الصيف باستضافتها للألعاب الأولمبية". وأضاف أنه في هذا السياق، فإن الانتخابات الأوروبية يوم 9 يونيو/حزيران المقبل ستكون "جذابة بشكل خاص للجهات الفاعلة الأجنبية في التلاعب بالمعلومات".

وهو ما حذرت منه الوكالة الحكومية الأحزاب السياسية الفرنسية، خلال اجتماع نظم في 29 مارس/آذار الماضي. كان الهدف من هذا الاجتماع توعية فرق الحملات الانتخابية بأشكال التهديدات المختلفة (انظر الجدول الخاص في نهاية المقالة) التي يمكن أن تؤثر عليهم وكذا مشاركة بعض الممارسات الجيدة معهم.

حزب "النهضة" يأخذ الموضوع على محمل الجد. كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه ضحية لهجوم إلكتروني أدى إلى نشر العديد من رسائل البريد الإلكتروني التي تبادلتها فرقه خلال حملته الرئاسية في عام 2017. لذا فإن الإجراءت التي تم وضعها في عام 2022 باتت مفعلة.

"نحن نوعي فرقنا ونذكرهم بانتظام بقواعد الأمان الرقمي من خلال تمارين منتظمة مثل إرسال رسائل بريد إلكتروني مزيفة إلى الموظفين. لقد قمنا أيضا بتنفيذ أدوات لمراقبة التهديدات على شبكات الكمبيوتر الخاصة بنا. أخيرا، نحن نراقب الأخبار المضللة التي يمكن أن تستهدفنا على الشبكات الاجتماعية"، كما يقول المقربون من فاليري هاير، رئيس قائمة حزب "النهضة" والوسط.

الاتحاد الأوروبي في مرمى نيران التدخل الرقمي

فيما أكدت بقية الأحزاب التي اتصلنا بها - الجمهوريون، الحزب الاشتراكي، بيئة أوروبا، وفرنسا الأبية أنها اتخذت إجراءات وقائية مماثلة.

لكن الحكومة الفرنسية تعتقد أنه يجب التعامل مع قضية التدخل الأجنبي بكل جدية على المستوى الأوروبي وذلك حتى لو حاولت الأحزاب السياسية الفرنسية توخي الحذر. وأكد جان نويل بارو خلال المؤتمر الصحافي المعقود يوم 24 أبريل/نيسان الماضي أنه "دعا المفوضية الأوروبية إلى ممارسة سلطات الرقابة والتنظيم على المنصات الرئيسية حتى أن يطالبوها بممارسة أقصى درجات اليقظة، خلال فترة الحملة، وفترة الصمت ويوم الانتخابات".

ولم تتأخر بروكسل في الرد. المفوض الأوروبي للشؤون الرقمية، الفرنسي تييري بريتون، فتح تحقيقا الثلاثاء 30 أبريل/نيسان المنصرم بحق الشبكات الاجتماعية فيس بوك وإنستاغرام التي يشتبه في عدم احترامها للالتزام بمحاربة التضليل قبل الانتخابات الأوروبية.

بيد أن المفوضية الأوروبية هي الأكثر تفاعلا بشأن هذا الموضوع إذ تم الكشف عن العديد من الحالات في الأشهر الأخيرة. وأعلن القضاء الألماني في 23 أبريل/نيسان عن اعتقال جيان غو، أحد المساعدين المعتمدين في البرلمان الأوروبي للنائب ماكسيميليان كرا، رئيس قائمة حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف. فهو مشتبه به بالتجسس على المعارضين الصينيين في ألمانيا وتبادل المعلومات حول البرلمان الأوروبي مع جهاز استخبارات صيني.

وبالمثل، في مارس/آذار، قالت أجهزة الاستخبارات في جمهورية التشيك إنها تعقبت شبكة تمولها موسكو لنشر الدعاية الموالية لروسيا في أوروبا، مستهدفة على وجه الخصوص البرلمان الأوروبي. واستخدمت المجموعة موقع صوت أوروبا الإخباري الذي يتخذ من براغ مقرا له لنشر معلومات تهدف إلى ثني الاتحاد الأوروبي عن إرسال مساعدات إلى أوكرانيا. وأغلقت جمهورية التشيك هذا الموقع، لكن المجموعة استأنفت منذ ذلك الحين أنشطتها من كازاخستان، وفقا لوسيلة الإعلام "يوراكتيف".

وأخيرا، أظهرت قضية "قطرغيت"، التي كشفت عنها وسائل الإعلام البلجيكية في ديسمبر/كانون الأول 2022، عن فضيحة فساد تورطت فيها قطر ونائبة رئيس البرلمان الأوروبي اليونانية إيفا كايلي.
التدخل في الحملة الانتخابية: أساليب العمل

شرح مستقى من دليل التوعية الذي تصدره "فيجينوم" وتوزعه على فرق الحملات الانتخابية.

  • تضخيم الروايات و/أو المشاعر السلبية عبر شبكات تديرها روبوتات

يتكون نمط التشغيل هذا من تضخيم الروايات حول موضوع مثير للانقسام وفي نمذجة الحقائق بشكل انتقائي حول هذا الموضوع، عن طريق التدفق المستمر للمنشورات على محور دلالي واحد.

  • انتحال شخصية وسائل الإعلام الشرعية

يتمثل هذا الإجراء في خداع مستخدم الإنترنت عن طريق اغتصاب هوية وسائط شرعية (إنشاء موقع مزيف) لبث محتوى غير دقيق.

  • توظيف الإجراءات الانتخابية

يتمثل هذا الإجراء في التلاعب بالمعلومات المتعلقة بمسار الإجراء الانتخابي (معلومات خاطئة عن تواريخ الانتخابات، على سبيل المثال)، من أجل تقليل مشاركة المواطنين في يوم التصويت.

  • نشر الإعلانات السياسية على الإنترنت

يتمثل هذا الإجراء في تحويل نظام الإعلانات عبر الإنترنت، على المنصات، لنشر محتوى مستقطب ذي طبيعة سياسية. هذا النشر يجعل من الممكن استهداف فئات معينة من المواطنين وفقا لخصائص مختلفة (جغرافية ، عمرية ، إلخ...) ، ولكن أيضا للوصول إلى المستخدمين دون اشتراكهم في موقع الإصدار.

  • التسويق الماكر

يهدف هذا الإجراء إلى إنشاء موضوع مثير للجدل أو تضخيمه، بشكل عام حول وسم واحد أو أكثر، يسعى من خلاله المشاركون إلى زيادة ظهوره على الشبكات. استخدام الإبداع والمشاركة الهائلة للصور يسمح بنشر أفضل للروايات.

  • التسريب المتعمد للبيانات

يتكون هذا الإجراء من الحصول، من خلال عمليات مختلفة، على المعلومات الحساسة للمرشح، أو فريق الحملة، لنشرها على الإنترنت من أجل تشويه صورتهم.

  • نشر المحتوى المزيف على حسابات وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي

يتكون هذا الإجراء من سرقة هوية المرشح على الشبكات الاجتماعية من أجل نقل معلومات خاطئة يمكن أن تضر به. كما أنه يعني إمكانية السيطرة على الوسائط، أو الحسابات الأصلية على الشبكات الاجتماعية، لنشر محتوى خاطئ أو مضلل.

  • تقديم حوافز للقيام بأعمال مادية في الفضاء العام

تُمكِنُ ترجمة طريقة العمل هذه عبر الإنترنت من خلال دعوات للتظاهر أو إضعاف مراكز الاقتراع أو مباني الأحزاب السياسية. يمكن لاحقا استخدام التأثيرات الناتجة في الحياة الواقعية في مجال المعلومات.

  • إنشاء مقاطع فيديو باستخدام تقنية التزييف العميق

يتكون هذا الإجراء من استخدام فيديو أو تسجيل صوتي تم إنشاؤه أو تعديله بفضل الذكاء الاصطناعي. بالاعتماد على تقنية التعلم العميق، تتيح هذه العملية إنشاء محتوى مزيف موثوق به من محتوى حقيقي يسهل الوصول إليه.