جامع الصالح بصنعاء.. تحفة الزمان والمكان ومعلم إسلامي فريد في عصره

جامع الصالح في العاصمة اليمنية المختطفة من مليشيا الحوثي الإرهابية، يُعد تحفة الزمان والمكان، وأكبر الجوامع والمساجد في اليمن والعالمين العربي والإسلامي، وأحد أهم المعالم الإسلامية في العصر الحالي على مستوى العالم الإسلامي.

هذه التحفة المعمارية والهندسية البديعة، لم يكن تشييدها غريبا على ذوق وعزيمة الانسان اليمني، أو طفرة بالنسبة لشعب له تاريخ ضارب في الاعماق لالاف السنين قبل الميلاد، وكان لها في مثل هذا الشهر الفضيل دورا إضافيا في تربية النفس على قيم التسامح والتعاون، ونشر قيم الوسطية والاعتدال.

بُني الجامع وملحقاته على نفقة الزعيم الشهيد علي عبد الله صالح، في محيط ميدان السبعين، وافتتحه في العام 2008م، على مساحة قدرها نحو 224 ألف و821 مترا مربعا ويتسع لنحو 45 ألف مصلٍّ في الداخل والخارج، وله موقف خاص لقرابة 1900 سيارة.

مر مشروع الجامع بدءا بالفكرة والتنفيذ وحتى الافتتاح بمراحل عديدة، بذلت خلالها جهود مضنية سواء من فريق التخطيط الهندسي أو مراحل اختبار التربة، ومن ثم البناء والإشراف والمتابعة. هذه المراحل عكست أهمية المشروع الذي بات أكبر واجمل معلم إسلامي في تاريخ البلاد، منذ دخول الإسلام إليها في السنة السادسة للهجرة.

يشمل المشروع، الجامع وكلية علوم القرآن والدراسات الإسلامية وتضم نحو 25 فصلاً دراسياً وقاعات محاضرات واجتماعات وصلاة، ومتحف خاص بالشهيد "صالح" يضم جميع مقتنياته والهدايا والجوائز والشهادات، بالإضافة إلى الباحة والمواضئ، ومواقف السيارات لعدد 1900 سيارة، إلى جانب مساحات واسعة من الحدائق والممرات والأحزمة الخضراء.

ويعد "جامع الصالح" رمزية مهمة في تأريخ البلاد ومرحلة مزدهرة من مراحل نظام الحكم للزعيم الشهيد "صالح". وكان مبنى "الجامع الكبير" التاريخي بصنعاء، الملهم الأساسي للمهندسين في تصميمه.

الانسان اليمني والتاريخ الإسلامي

تغلّب على بناء الجامع وملحقاته الطابع العمراني اليمني لا سيما المنارات والواجهات، حيث تم تشييدها من الأحجار، لاشتهار اليمنيون عبر التأريخ باستعمالها كمادة للبناء، فضلا من كونها مصدرا طبيعيا يمتاز به اليمن، لتنوعها وقدرتها الكبيرة على مقاومة العوامل البيئية، والانسجام والتناغم مع الطبيعة المحيطة، بالإضافة إلى عمرها الافتراضي.

تقول مصادر هندسية، إنه من أجل تحقيق هذا الغرض تم أخذ عينات من أحجار سد مأرب التأريخي، وعرش بلقيس، للمقارنة بين أحجار الموقعين وأحجار المصدر المعتمد في بناء "جامع الصالح"، وعليه تم تحديد مواصفات المشروع بنحو أربعة أصناف من الأحجار، أحجار بازلتية باللون الأسود وأحجار جيرية بالألوان السوداء والبيضاء والحمراء، ومعها حددت المواصفات، والمقاسات لأحجار البناء، بحيث لا يقل طول الحجر عن (160) سنتيمترًا، ولا يقل ارتفاعه عن (80) سنتيمترا.

واستخدمت الزخرفة والنقوش في الجامع وملحقاته، حيث اُستخدم الحجر الجيري الأبيض للواجهات الخارجية، والحجر الأحمر في الأحزمة الزخرفية بالواجهات فقط لقلة كمياته ولصغر أحجام الأحجار المطلوبة، فضلا عن الاعتماد على المصممين على الجرانيت الأحمر المنقط بالأبيض بعمل تكسية الأعمدة الداخلية للجامع، بينما استخدم الياجور في تكسية واجهات المنارات، حفاظا على التراث المعماري اليمني العريق.

وتم تكسية قباب الجامع من الخارج، بمادة عصرية متطورة اسمها (الجي آر سي) وهي مادة تحاكي الجص اليمني لجهة الطواعية في أعمال الزخرفة، إضافة إلى ميزاتها العالية لجهة الديمومة وتناغما مع التراث اليمني.

النقوش والتطريزات بالآيات القرآنية والفن الإسلامي كانت حاضرة وبفرادة في جدران وسقوف الجامع من الداخل. وهي أشبه بمحاكاة بين التاريخ الإسلامي والإنسان اليمني اللذان شكلا نموذجا فريداً من التلازم والانسجام بين الحضارة اليمنية والرسالة المحمدية منذ ظهورها.

انزعاج وتدمير حوثي

الانسجام اليمني والإسلامي، كان مزعجاً بالنسبة للعائلات السلالية التي تسعى إلى تشويه الرسالة المحمدية وتقديمها نموذجا عائليا، لغرض استخدامها في أطماع دنيوية تحت غطاء ديني لا أكثر، وتقديم الدين على أنه مرسوما الهي منحها التفرّد بحكم الشعوب، ولذا تعمد دوماً على طمس تاريخ وحضارات الشعوب، والحفاظ كل المعالم التي ترتبط بأسماء مرجعيات تزعم أنها من ذات السلالة، لتبقى الوحيدة حاضرة في أذهان الأجيال والتاريخ.

جامع الصالح وملحقاته في اليمن، كان احد هذه المعالم التي تعرضت للعبث والتدمير الممنهج، اولا لما اكتسبه "صالح" من حب كبير من شعبه، وثانيا لارتباط الجامع باسمه كمواطن ينحدر من عائلة يمنية، وهو ما تعتبره مليشيا الحوثي تهديداً لمشروعها وفكرها العنصري، فأقدمت عقب سيطرتها على العاصمة صنعاء إثر انقلابها على النظام في 21 سبتمبر/ أيلول 2014م على ممارسة كل محاولاتها الممنهجة لطمس الدلالة الرمزية للجامع من حياة اليمنيين، وفي مقدمة ذلك محاولتها تغيير تسميته.

وتعرّض الجامع وملحقاته لنهب جامع الصالح لعديد من الهجمات والاعتداءات الحوثية، منها نهب مقتنيات، بما فيها متحف "الصالح" والمصابيح والتطريزات التي يزدان بها سقفه. نقلتها إلى قصورها واستبدلت بعضها باخرى من صناعات رديئة الجودة في تعارض مع المواصفات الاصلية، واتخذت منه وكرا لنشر أفكارها الطائفية المستوردة من إيران، وتعاط القات، وبث خطابات زعيمها في باحته، علاوة على أهماله لغرض تدميره

وازدادت العبثية الحوثية بالجامع ومقتنياته من يوم إلى آخر، حينما أدركت أنه بشكله واسمه محفور في وجدان الشعب، وما يزال الجميع يردد اسمه في كل تفاصيل حياتهم وتحركاتهم.