مطالب مأرب هي البداية وليست النهاية!

"إنها ليست النهاية وليست حتى بداية النهاية لكن ربما هي نهاية البداية".

قالها تشرشل خلال الحرب العالمية، وها هي تتطابق على الواقع والحراك السياسي والقبلي والاجتماعي غير العادي، الذي تمر به محافظة مأرب منذ 12 عاماً.

كل الذي أوصل مأرب لهذا الوضع هو سيطرة سلطة ذات نهج أيديولوجي متشدد ومنظومة فساد أخلت بواقع التوازن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فقد تضررت مأرب بما انعكست عليه مخرجات الربيع العربي، الذي جر مأرب إلى ميدان صراع حرمها التنمية والبناء ومزق نسيجها الاجتماعي.

لذا فقد اتجهت مطارح مأرب وتجمعاتها السلمية التي تحركت من منطقة العرقين بوادي عبيدة الأصيلة بأبنائها ورجالها وحكمة مشايخها وبتوافد كل قبائل لواء مأرب الخير والعطاء، لإنشاء تكون مجتمعي يمثلهم في استعادة محافظتهم وإنقاذها من أنياب الفساد الذي حل بمحافظتهم، وهم لهم مطالبهم ولهم مشروعهم وذلك يتحدد من خلال تغير واقع وظروف محافظتهم، وما يتعرضون له من إقصاء وتهميش وحرب مفتوحة ضد أهدافهم وطموحاتهم في العيش الكريم وما يعيشونه.

فأبناء وقبائل مأرب يرغبون في حلول جذرية لقضاياهم من خلال تبنيها من خلال مكونهم الذي يجري التشاور مع كل أطياف وقبائل مأرب ومثقفيها وسياسييها، عدا أولئك الشرذمة الخائبة التي باعت قيمها وضمائرها من قادة الأحزاب السياسية بمحافظة مأرب مقابل فتات من المال المنهوب من ثروات مأرب الذي ترميه لهم سلطة مأرب وكيانها الحاكم الخفي والهزيل، وفيما يخص تمثيلهم ومشاركتهم السياسية وفي السلطة والثروة، وشعارهم "مأرب أولاً" ورفضهم المبدئي في رفض الجرعات السعرية في المحروقات ونهب الثروات، التي لن تفيد الاقتصاد اليمني، بل تضع عبئاً على كاهل معيشة المواطن، كما أن أبناء مأرب وشبابها يناقشون وينظرون ما يتعرض له اليمن من تحديات وهموم، خصوصاً مع استحقاقات وقرب التسوية السياسية وعملية السلام، التي ترعاها المملكة العربية السعودية ودول الرباعية المشرفة على ملف اليمن.

عندما ينظر الإنسان العادي أو المتابع السياسي والحصيف للأوضاع التي مرت وتمر بها مأرب الآن، أو بالنظرة العميقة لسلطة مأرب القائمة ومن يدورون حولها، وذلك الكيان الهزيل والمتخفي والذي يدير مأرب سياسياً وأمنياً، سيدرك خطورة وخفايا ما سيحدث والنهاية المنتظرة.

إن هذا الكيان الذي يتحكم بكل مفاصل مأرب، والذي تمثله قيادة مأرب الحالية، أصبحوا يعتقدون أن مأرب ملكية خاصة لهذه القوى، متجاهلين حقوق أبناء مأرب منذ زمان طويل رغم الصمت الذي اتخذه سكان مأرب وقبائلها، لأنهم كانوا يدركون الصعوبات والتعقيدات منذ البداية وخطر جماعة الحوثي على أمن وسيادة مأرب، ولا يريدون المطالبة وظلوا من أجل الصالح العام يخفون حقوقهم وهم يشاهدون العبث اللا نهائي والفساد الذي ليس له حدود، لكن الغريب أن مثل هذه القوى التي التزمت بسياسات العنف والفساد كانت تتخذ الأجندة السياسية خطوطاً عريضة لها، وأن هذه المحافظة ليست سوى ملكية أيديولوجية لها أو ملكية منافع وغايات رخيصة.

إن استصغار أبناء مأرب هو سبب كل هذه التراكمات من الأخطاء، فسلطة المحافظة لا تبحث عن حل تريد أن تظل هي من تتصرف في كل مأرب، وهي ترى بعدائية لما تتحرك القبائل من أجله، فيما تظل مطالب القبائل مشروعة وهي مكفولة بالدستور والقانون، أما إذا ما استمرت السلطة في مأرب بممارسة نوع من التجاهل والاعتماد على الوقت لكي تخل بالتزاماتها، فإن هذا قد يؤدي إلى انفجار الوضع في مأرب في أي لحظة.

إذا أرادت السلطة المحلية والحكومة الخروج من هذا المأزق، فإنه من الضروري أن تكون هناك معالجات شاملة ودقيقة وحوار شفاف وصادق لا يقصي أحداً.

وليس مجرد نهب ومحاصصات، كل القرارات والأزمات المحتدمة تكمن في أن هناك من يصر على الفساد والعبث، وهو يرفض الاصلاحات الاقتصادية والمالية، وهذا ما تفعله الحكومة الشرعية وسلطة مأرب.

لكن ما يحدث منذ فترات طويلة هو نهب وفرض قانون الغنيمة على مأرب، وهذا في حد ذاته حالة الاستعلاء في وضع وطرح خيارات الحل، التي لا تشجع في القبول بعرض سلطات مأرب لأن هناك شبكة هائلة تعبث في هذه المحافظة، هذه الشبكة تقوم على أطراف سياسية تشترك فيها أحزاب وقيادات عسكرية، ومسؤولون ووزراء.

المغريات الوقتية المعروضة الآن مرفوضة لأنها لا تعالج هي تراكم المشكلات، وهذا ما يتعمده البعض وهم الفئة الفاسدة والمسيطرة على مأرب، لأنهم لا يضعون حلولاً، هم يؤخرون المعالجات، هؤلاء هم من حولوا ثروات محافظة مأرب لمجرد نوع من الاستثمار الخاص وتقاسم الفوائد، هذه هي العبودية التي تتحكم على واقع مأرب بين من يحكم وبين من يطالب بالعدالة، هي من قد تقود لفوضى واسعة وارتفاع في سقف المطالب وتعقيد الوضع.

إن الإصرار على مواصلة الانتفاع بنفط وغاز مأرب لمصالح مراكز الفساد العميقة والتي فقدت من مركزها، هذا سبب ما يجري من تعقيدات وقد يفرض ذلك على المركز الجديد في المستقبل في أن يفقد مصالحه، وأن ينزح لمكان آخر إذا لم يكن لديه رؤية غير العنف، ففي مأرب توجد قوى سياسية وأطراف قبلية لا تريد أن تتعرض مصالحها وليست مستعدة أن تكون مقموعة في مكان وجودها الأساس، هذا في حال فضلت الأطراف التي تحكم مأرب استمرار خريطة المحاصصات الخاطئة التي أضرت كثيرا بأبناء مأرب وتطلعاتهم.

‏لا شك أن مؤشرات الفساد في مأرب كبيرة، والإصلاحات التي تم فرضها ستضخم من كتل الفساد وتقويه أكثر، لأن نهر الثروة المأربية وحجم الواردات تذهب لزيادة حجم الأموال لصالح فئة مستبدة ومحددة، فقط وفي ظل ما يحدث لا نستطيع القول إن هناك ‏إصلاحات اقتصادية ومالية، بل يوجد فساد.

حبل الحل ما زال طويلاً، وليس هناك مصداقية من سلطة مأرب التي تحاول استغفال قبائل مأرب بمعالجات لا تبدو عميقة وليست هناك حلول فعلية تتجاوز حسابات المركز المسيطر على المحافظة، الذي يفكر بسلوك العنف وينظر لمطالب مأرب على أنها تقوض من تحكُّمه بكل المفاصل ومراكز الثروة.

*رئيس مركز مداري للدراسات والأبحاث الاستراتيجية

5 فبراير 2024