26 سبتمبر الثورة والثوار.. حسن العمري أنموذجاً
انطلقت شرارة الثورة اليمنية ضد حكم النظام الإمامي البائد المتمثل بأسرة آل حميد الدين أو ما تعرف بـ"المملكة المتوكلية"، عشية 26 سبتمبر العام 1962م، وجاءت هذه الثورة العظيمة كثمرة لنضال كوكبة من المناضلين الأحرار على مدى عقود طويلة ضد الحكم السلالي المستبد.
وأعقب ثورة 26 سبتمبر حرب بين الموالين للمملكة المتوكلية والموالين للجمهوريّة استمرت ثماني سنوات (1962 - 1970) وخلالها ذاع صيت عدد من فرسان هذه الثورة السبتمبرية الخالدة الذين كان لهم الدور البارز والأكبر في الكفاح المسلح ضد الحكم الإمامي أثناء المعارك التي خاضوها ضد فلول الملكية وكان أحد ألمع رﺟالها الفريق البطل حسن حسين العمري، مؤسس تنظيم الضباط الأحرار الذي كان له دور مشرف ومشهود بالتفاف المقاتلين حوله وصولاً حتى تحقيق النصر العظيم.
ثلاث حركات سبقت الثورة السبتمبرية المجيدة اضعفت النظام الإمامي وزلزلت أركان عرشه؛ الأولى حركة عام 1948م الدستورية التي رفعت مطلب الإصلاح وانتهت بمصرع الإمام يحيى على يد المناضل الثائر علي ناصر القردعي وكان أبرز قادتها المناضلين "حسن العمري، وأحمد محمد نعمان، ومحمد محمود الزبيري" ولكنها أجهضت بعد قيام الإمام أحمد بانقلاب مضاد مستعينا بالقبائل انتهى بتوليه بعد 14 يوما الإمامة وإلقاء القبض على حسن العمري وعدد من رفاقه وحكم عليه بالإعدام ثم خفف بالسجن.
والحركة الثورية الثانية، قادها المقدم أحمد يحيى الثلايا عام 1955م، ضد الإمام أحمد ولكنها فشلت واعتقل على إثرها وحُكم عليه بالإعدام، بينما سجن الإمام رفاقه الضباط الذين خططوا معه يقودهم: حسن العمري وسته آخرون هم: "علي محمد السنيدار وأحمد المروني ومحمد الفسيل وصالح السنيدار وعبد السلام صبرة" وكل هؤلاء كان لهم أداور قيادية في ثورة 1962.
الحركة الثالثة، تعرض فيها الإمام أحمد لمحاولة اغتيال في الحديدة في مارس عام 1961م على يد الثوار الأبطال محمد العلفي وعبدالله اللقية ومحسن الهندوانة، وتوفي الإمام أحمد متأثرا بإصابته في 19 من سبتمبر 1962م وتولى الإمامة بعده نجله محمد البدر.
انقلاب "البدر"
انقلب البدر على وعوده بالإصلاح وأعلن في خطابه الأول أنه سيمضي على نهج والده، ما دفع الثوار إلى اتخاذ قرار الثورة ووضعوا خطة متكاملة للاطاحة به، استفادوا حينها من موقع بالغ الأهمية يتقلده الثائر البطل حسن العمري، وهو توليه مسؤولية قسم اللا سلكي في عهد حكم الإمام البدر.
وفي ليلة السادس والعشرين من سبتمبر سنة 1962 انطلقت شرارة الثورة المباركة، وكان "العمري" من أوائل الضباط الأحرار الذين شاركوا في اقتحام قصر الإمام محمد البدر الذي فر هارباً يجر أذيال الهزيمة إلى جبال محافظة حجة، شمالي البلاد.
واستمرت فلول الإمامة الملكية ومرتزقتها التي يقودها الإمام البدر، في محاولة استعادة السلطة، بشن سلسلة هجمات على العاصمة صنعاء، وفرض حصار خانق عليها لنحو شهرين، عرف بحصار السبعين، بعد أن أعاد الملكيون ترتيب صفوفهم بدعم من السعودية والأردن وبريطانيا وإسرائيل، بينما كان الجمهوريون يحظون حينها بدعم من جمهورية مصر بقيادة جمال عبد الناصر.
فشل الملكيون في استعادة صنعاء، وتضاءلت آمالهم في ظل قيادة معركة حصار السبعين يوماً البطل الفريق حسن العمري رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة سابقا (أحد أبرز فرسان الثورة السبتمبرية).
نجح "العمري" والجمهوريون والمساندون لهم من رجال القبائل في امتصاص الصدمة، واستنزاف القوات الملكية، وكان له دور مشهود في انتصار الجمهوريين وفكّ الحصار الملكي على صنعاء في فبراير 1968 حينها أقر الإمام البدر بالهزيمة واعترف حلفاؤه الاقليميون بالجمهورية نظاما بديلا للنظام الملكي.
وفي عام 1970 حصلت المصالحة الوطنية، استغلتها العناصر السلالية للتسلل مجددا إلى السلطة في غفلة من الزمن وعادت لتعيد حلمها في الانقضاص على الحكم كعصابة عنصرية إرهابية وفرضها سلطة أمر واقع باستخدام لغة القوة والعنف والسلاح والترهيب، وتمكنت من ذلك عقب فوضى الربيع العربي للعام 2011م، وتفكك الدولة مع تنفيذ مخطط هيكلة الجيش الذي كانت أحد أبرز المصرّين على تنفيذه، لتنفذ انقلابها المسلح في 21 سبتمبر/ أيلول 2014م.
ومثّلت الحركات الثورية دروساً ثورية عظيمة لدى الكثيرين من أبناء الشعب اليمني، وكسرت حواجز الخوف من القمع الإمامي، الذي ثار رافضا الرضوخ لسلالة كهنوتية، وهو نفس التوهج الثوري المتنامي الذي يملأ قلوب اليمنيين اليوم ضد سلطة مليشيا الحوثي الانقلابية، في دلالات واضحة على أن زوالها بات قريباً.