بتورط الشرعية والانقلاب.. جريمة جديدة بحق آثار اليمن مرتقب شهودها بعد اسبوعين في مدينة امريكية

وسط صمت معيب ومخز لوزارتي الثقافة في حكومتي صنعاء وعدن، لا يقل جرما وفداحة عن جرائم نهب وتهريب آثار اليمن، يرقب العالم جريمة جديدة بحق ثلاث قطع أثرية أخرى، من المقرر أن تشهد عليها بعد نحو اسبوعان من الآن مدينة نيويورك الأمريكية في مزاد  "الفن من أجل الخلود"، والتي تأتي امتدادا لآلاف الجرائم المرتكبة خلال السنوات الأخيرة بحق حضارة وتاريخ شعب يرى الطارئون على ذلك فيه مغنما..

يأتي ذلك، في الوقت الذي بيعت أربع تحف مميزة من آثار اليمن، في مزاد دار ليون وتورنبول الشهيرة، الاربعاء 31 مايو 2023م.

واكد الباحث المهتم بتتبع ورصد الآثار المهربة من اليمن عبدالله محسن، أن مدينة نيويورك الامريكية، سوف تشهد في السابعة من مساء السبت 17 يونيو 2023م، بيع ثلاث قطع من اثار اليمن في مزاد "الفن من أجل الخلود".

وأوضح الباحث "محسن"، في منشور له على حسابه الرسمي على موقع فيسبوك، أن "اثنتين منها هي من مجموعة الدكتور هنري شيريك، أستاذ وعميد سابق في كلية طب الأسنان بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس". مشيرا إلى انه "كان جامعاً متحمساً للفنون الجميلة والآثار، وتوفي عن عمر يناهز 84 عامًا في عام 2023م".


وافاد، بأن "أول التحف المعروضة للبيع، هي رأس رجل من المرمر بعيون مطعمة من 300 قبل الميلاد، ارتفاعه 14.4 سم، بدقن بارزة وشفتين ممتلئتين، وشارب رفيع محفور، وعينان محفورتان للتطعيم، وحاجبان مخددان، وآذان مصوغة بشكل طبيعي".

ولفت إلى أن هذ القطعة الأثرية "من مقتنيات الدكتورة فرانشيسكا هيرش (ميونيخ ألمانيا)، ثم اقتناها طبيب الأسنان الراحل الدكتور هنري شيريك".

بينما التحفة الثانية، هي "شاهد قبر من الحجر الجيري ، من 200 قبل الميلاد، مستطيل الشكل، في النصف الأعلى منه وجه بارز لرجل، وتبدو له لحية "مع حواجب مقوسة وأنف مستطيل طويل وشفاه رقيقة مغلقة، وأسفل الوجه شريط أحمر واضح المعالم حفر فيه نقش يوضح اسم الشخص (برات)". وهذه القطعة "كانت التحفة من مقتنيات ويندسور للتحف، ثم اقتناها عام 2009م الدكتور هنري شيريك، سابق الذكر".

أما الثالثة، بحسب "محسن"، فهي عبارة عن "رأس تجريدي من المرمر، يعود الى القرن الثاني قبل الميلاد، له عينان كبيرتان لوزية الشكل، تحتوي على حواف داخلية، وحواجب عريضة مقوسة، وأنف ضيق، وفم بيضاوي، وآذان من نوع العروة. مسطحة، عكس الاتجاه تقريبا".

بيع حديث

وكشف الباحث نفسه، بيع أربع تحف اثرية في آخر يوم من مايو الماضي، في مزاد دار ليون وتورنبول الشهيرة مزاد "تشكل عبر الزمن"، أهمها وأبرزها وضعت "على غلاف كتالوج المزاد".

والاربع القطع هي: "رأس منحوت من مرمر مقلم، وعل برونزي مميز من منتصف الألفية الأولى قبل الميلاد ، مصنوعاً من البرونز المصبوب، لوحة تذكارية من المرمر المنحوت، على شكل شبه منحرف، والرابعة شخصية رمزية من الطين المشوي المطلي (تيراكوتا)، "تظهر جالسة".

وهذه القطع ليست الوحيدة، فقبلها بيعت المئات وفي مزادات عدّة وبفترات متفاوتة، علاوة على بيع اعداد كبيرة اخرى -لا توجد احصائية دقيقة حولها حتى اللحظة- بواسطة سماسرة ومهربي الآثار، داخل وخارج البلاد، وعلى مواقع الانترنت.

وبالرغم من إعلان السلطات الأمريكية، في 23 فبراير الماضي، إعادة 77 قطعة أثرية منهوبة إلى الحكومة اليمنية، قبل أن يتفق متحف بواشنطن مع الأخيرة على عرضها لديه لمدة عامين، لا تزال عمليات البيع في المزادات مستمرة في قلب الولايات المتحدة وغيرها، دون اتخاذ تدابير جادة من سلطتي الولايات المتحدة واليمن.
ما يؤكد فداحة الجرم المُرتكب سابقا ويتواصل حديثا بحق الاثار اليمنية، هو اعلان آخر للولايات المتحدة، بعد شهرين فقط، من الإعادة السابقة، وتحديدا في 28 ابريل الماضي، اعادة ثلاث قطع أثرية يمنية أخرى بينها تمثال لوعل يمني يعود للقرن الخامس قبل الميلاد.

احصائيات ليست نهائية

ومع أنه لا توجد احصائية دقيقة لدى وزارة الثقافة في الحكومة اليمنية المعترف بها، قالت منظمة "تحالف الآثار" في مارس 2019، أن لديها سجلات لعدد 1631 قطعة أثرية تعرضت للسرقة والنهب من المتاحف اليمنية خلال السنوات الأخيرة من الحرب التي اندلعت أواخر العام 2014م.

وتضمنت القائمة نقوش سبأ، إلى عملات رومانية، وتماثيل رخامية، وتماثيل برونزية، ومخطوطات مقدسة.

وذكرت تحالف الآثار (منظمة غير حكومية مقرها واشنطن تقود الحملة الدولية ضد الابتزاز الثقافي) أنها كانت على اتصال بعلماء آثار قالت إنهم أجانب على الأرض في اليمن أبلغوا عن أدلة على نهب الأثار.

وتظل هذه الإحصائيات غير النهائية، في ظل النهب الكبير الذي تعرضت له المتاحف وغيرها، وانقسام البلاد جراء الحرب التي تشهدها منذ انقلاب الانقلاب المسلح لمليشيا الحوثي في سبتمبر 2014م.

الحوثي أدان نفسه

في السياق، قال مركز "الهدهد للدراسات الأثرية" في مؤتمر صحفي عقده في صنعاء في 14 فبراير 2022م، إنه وثّق 4265 قطعة أثرية يمنية مهربة عرضت في المزادات الإلكترونية في 6 دول بعدد 16 مزاداً، كانت موزعة بين أميركا بـ 5 مزادات وبريطانيا بـ 4 مزادات وفرنسا بمزادين وإسرائيل بمزادين إضافة إلى مزاد في كل من هولندا وفرنسا.


ومع أن مليشيا الحوثي حاولت من خلال هذا المركز التابع لها، إعفاء نفسها من المسؤولية، بعد أن أصبحت تحكم كامل قبضتها على اغلب المناطق اليمنية، إلا إدانت نفسها من حيث لا تشعر.

وما يزيد من إدانتها وتورطها بالنهب، مصادرتها الأربعاء 31 مايو الماضي، حوالي 885.9 جرام من ذهب سبأ وقتبان، كانت محرزة في خزانة المضبوطات الذهبية في هيئة الآثار والمتاحف الخاضعة لسيطرتها في العاصمة صنعاء.

وشملت "سلوس وخواتم وأساور واخراص وصفائح وخرز وقطع ذهبية مختلفة الأشكال وتحمل الأرقام من MK180  إلى MK236 بوزن إجمالي بلغ (885.9) جرام". وهي المضبوطات المتعلقة بقضية المهرب الأردني "سمير حماد جادلله" و"أمين البعداني" و"محمد شمله" في العام 2005م، بحسب الباحث محسن.

واستولت مليشيا الحوثي على محتويات خزانة المضبوطات الذهبية، عبر لجنة شكلتها لاستلامها كنوع من الشرعنة لعملية الاستيلاء التي جاءت بعد نحو 18 عاما من التحريز وبقائها في هذا المكان دون المساس به طيلة الفترة.

 الحكومة اليمنية المعترف بها، هي الاخرى، ضليع في جميع هذه الجرائم، فالاعتراف الدولي بها، وكذلك الإمكانات المادية وسلطة النفوذ الاستخباراتية والميدانية التي تمتلكها، لم تشكل فارقا بالنسبة لها، وبات صمتها وتخاذلها المخزي والمعيب، هو الأكثر حضورا، إلا من إدانات لا ترق إلى حجم المسؤولية.

وفي ظل الانقسام الحاصل في البلاد، وعدم استكمال تحرير بقية المحافظات من مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من ايران، ومع تخاذل الحكومة الشرعية، تظل الآثار والهوية التاريخية والقومية لليمنيين معرضة للتهديد من عصابات النهب والتهريب للآثار.