مركز أوروبي: النفط سبب حرب اليمن والسيناريو المرجح تقاسم العائدات.. طهران تأمل تعزيز وجودها في خليج عدن
أرجع مركز أوروبي خلفيات حرب اليمن التي دخلت عامها التاسع، ودمّرت "الدولة الشرق أوسطية"، إلى السباق المحموم نحو السيطرة على النفط وصناعته، متوقعاً في النهاية الخروج من عنق هذه الأزمة بسيناريوهين، أكثرهما ترجيحاً هو "الاتفاق على تقاسم عائدات النفط"، بينما تأمل طهران من مثل هكذا صفقة "أن تعزز وجودها في خليج عدن".
وقال مركز "GIS" الأوروبي للدراسات الجيوسياسية والاستخباراتية، إن "الحرب في اليمن، التي دخلت الآن عامها التاسع، دمرت الدولة الشرق أوسطية التي يبلغ عدد سكانها 33 مليون نسمة ولا تزال تغذيها السيطرة على صناعة النفط".
وأضاف، في تقرير له: ولا يزال الصراع على النفط يدفع لاستمرار القتال بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين.
ووفق مركز "GIS" الأوروبي للدراسات الجيوسياسية والاستخباراتية، "يعتبر قطاع 18 (يقع بمحافظتي مأرب والجوف) واحدا من أكثر حقول النفط إنتاجا في البلاد، وهي منطقة من المتوقع أن يتضاعف ناتجها المحلي الإجمالي ثلاث مرات من 1.8 مليار دولار إلى 6.1 مليار دولار بحلول عام 2050".
ولفت إلى أن الحقل "بالكاد يعمل وسط ظروف أمنية بالغة الخطورة"، مشيرا إلى أن النفط يمثل "مصدرا اساسيا لإيرادات الحكومة اليمنية. وتحتل اليمن المرتبة 53 فقط بين الدول في إنتاج النفط، بحوالي 70 ألف برميل يوميا".
وعن حال الاقتصاد في البلاد، يقول المركز: "إن أجزاء أخرى من الاقتصاد اليمني في حالة يرثى لها، إذ تستورد اليمن ما يقرب من 90 في المائة من قمحها وجميع أرزها. كما تم تأمين قروض مالية بما في ذلك 300 مليون دولار من صندوق النقد الدولي ومليار دولار من صندوق النقد العربي، ومع ذلك يذهب معظمها لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية والجيش".
وتطرق المركز إلى تهديد الحوثيين لموانئ تصدير النفط، واستمراره بشل أنشطتها، وتهديد خطوط الملاحة الدولية ما لم ينل حصة منها، مبررا ذلك إلى حاجته إياها لتغطية نفقاته الاقتصادية، ودفع رواتب للموظفين المتواجدين في مناطق سيطرته. ووفقا للمركز، "وبدون تقاسم الإيرادات فإنهم يهددون بمواصلة مضايقة الناقلات العملاقة التي تقترب من الساحل اليمني. وبالتالي يكمن الخطر النهائي في احتمالية أن يقطع الحوثيون طريق الشحن الدولي عبر البحر الأحمر".
سوق موازية (السوق السوداء)
ويواصل: رغم إنتاجها المتواضع، فإن المعادلة اليمنية تؤثر على سوق الهيدروكربونات العالمية، بالنظر إلى مشاركة كل من المملكة العربية السعودية، ثاني أكبر منتج للنفط في العالم، وإيران الغنية بالغاز.
ونظراً للأهمية الاستراتيجية لمنطقة ميناء الحديدة، حاولت الحكومة اليمنية تنفيذ المرسوم رقم 49 الذي يقضي بدفع الرسوم الجمركية في البحر قبل أن ترسو السفن. وفشل تطبيق المرسوم ولم يتم نقل النشاط الاقتصادي إلى موانئ أخرى فحسب، بل عزز الحوثيون سلطتهم في الحكم، وهو مزيج من الإدارة والأعمال. ويأتي معظم دخلهم من بيع الوقود المستورد، الذي يوزعونه في سوق موازية (السوق السوداء). ووفقا للتقديرات المحلية، فإن ميناء الحديدة يدر ما بين 30 مليون دولار و40 مليون دولار شهريا.
التهديدات الحوثية للبنية النفطية
وكشف التقرير مغزى تهديد مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، للبنية النفطية، حيث يرى انه رسالة إيرانية قبل أن تكون حوثية، مفادها "تذكير المجتمع الدولي بمقدرتهم على التأثير على سوق الهيدروكربونات العالمية".
وقال: رغم سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء ومؤسساتها، بالإضافة إلى أجزاء كبيرة من الشمال الغربي في البلاد، إلا أن الوصول إلى الوقود لا يزال يمثل تحديا. وبالرغم من فشل هجومهم الأخير للسيطرة على المواقع النفطية في مأرب، إلا أنهم لا يستسلمون، مقتنعين تماما بأن هذه هي الاستراتيجية الصحيحة.
وأضاف: إن تهديد البنية التحتية النفطية طريقة لجذب انتباه المجتمع الدولي الذي ضاق ذرعا من هذا الصراع الذي لا نهاية له. كما أنه أيضا رسالة قوية من القادة الإيرانيين، الحليف الرئيس للحوثيين، لتذكير المجتمع الدولي بمقدرتهم على التأثير على سوق الهيدروكربونات العالمية.
ولفت إلى أنه "عندما ضربت طائرات مسيرة تابعة للحوثيين حقل بقيق التابع لشركة أرامكو السعودية في عام 2019، انخفض المعروض العالمي بنسبة 5 في المائة وارتفع سعر البرميل لفترة وجيزة بنحو دولارين. وتستهدف هجمات مليشيا الحوثي مرافق موانئ ردم وقنا (شبوة) والشحر (حضرموت).
وقال المركز في تقريره، وفقا لمصادره الأمنية، "حفر الحوثيون قناتين صغيرتين لإخفاء زوارق سريعة يمكن أن تظهر في عرض البحر وتشن هجمات خاطفة على حركة الملاحة البحرية. ومنذ انتهاء وقف إطلاق النار في 22 أكتوبر، شن الحوثيون هجومين بطائرات مسيرة على محطات نفطية في حضرموت وشبوة".
وقد أدانت الولايات المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي مرارا هذا "التهديد غير المقبول للتجارة البحرية الدولية وحرية الملاحة". لكن الشركات العالمية، التي اعتادت على تدهور البيئات الأمنية، تتجاهل الأمر. وقد أوقفت شركة كالفالي بتروليوم الكندية أنشطتها في حضرموت، فيما تريد شركة توتال الفرنسية مغادرة اليمن في محاولة لتقليل خسائرها.
رغبة الرياض
"تبدو رغبة الرياض في حل النزاع صادقة". هكذا يقرأ مركز الدراسات الجيوسياسية والاستخباراتية مجريات الأحداث من وجهة نظره، "ومع ذلك"، يرى أن "هذه الرغبة في الإسراع بإنهاء الصراع دفعت الحوثيين إلى مزيد من التصلب والعناد". وفي نفس الوقت "دور إيران في هذه العملية غير واضح". ليس هذا فحسب، بل "وليس هناك ما يشير إلى أن حليفتها الصين سترحب بتحريك طهران للحوثيين لإغلاق مضيق باب المندب أو مفاقمة حالة انعدام الأمن في البحر الأحمر".
وأشار إلى أن الحوثيين "يطالبون بدفع رواتب الموظفين العاملين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، ولا سيما في العاصمة صنعاء. ويريدون حكومة معاداً هيكلتها بالكامل لتولي السلطة في اليمن بحيث يسيطرون على المشهد السياسي".
سيناريوهات محتملة
وتوقع المركز، حدوث سيناريوهين محتملين، "في السيناريو الأول، تتوقف الحرب بينما تضغط السعودية وإيران من أجل إنهائها. فبعد فشلهم في السيطرة على حقول النفط، يمكن للحوثيين السعي إلى زيادة استقلاليتهم السياسية. فالبلاد منقسمة الى حد كبير، حيث يستخدم الحوثيون الريال القديم في مناطقهم فيما لدى الحكومة اليمنية أوراق نقدية جديدة طبعها البنك المركزي في عدن".
ويرى المركز أن "السيناريو الثاني وهو الأكثر احتمالا، تتوصل الأطراف المتحاربة المنهكة إلى اتفاق حول توزيع عائدات النفط، ويمكن للحوثيين وحليفهم الإيراني تقديم هذا السيناريو على أنه انتصار، وتأمل طهران في أن تعزز مثل هذه الصفقة وجودها في خليج عدن، الذي يمر من خلاله 10 في المائة من حركة النقل البحري في العالم".
وخلف هذه التوقعات، وغيرها، يتوقّف مصير ومستقبل أكثر من 30 مليون نسمة، فقدوا جميع حقوقهم خلال السنوات الثماني الماضية، في مقدمتها وهي الأكثر أهمية بالنسبة لليمنيين "الحقوق والحريات"، بعد أن كافحوا لعقود ضد القمع والاستبعاد من أجل نيلها.