ما هو إقليم دونباس ولماذا تهتم روسيا به؟

مع تصاعد الحرب في أوكرانيا، تحوَّل إقليمُ دونباس شرقي البلاد، إلى ساحة لواحدة من أكبر المعارك في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

ومنذ بداية غزوها لأوكرانيا، تسعى روسيا والقوات الموالية في الإقليم إلى السيطرة على دونباس، وسط مقاومة شرسة من القوات الأوكرانية، فما هو إقليم دونباس، ولماذا تهتم به موسكو كل هذا الاهتمام.

ما هو إقليم دونباس؟

يتكوَّن إقليم دونباس من منطقتين شرقيتين كبيرتين، هما لوغانسك ودونيتسك، ويمتدُّ من مدينة ماريوبل في الجنوب الأوكراني على طول الطريق إلى الحدود الشمالية مع روسيا.

ويغلب على دونباس في الوقت الحاضر الطابع الروسي، حيث تعد اللغة الروسية اللغة الرئيسة لنحو 74.9% من سكان دونيتسك، و68.8% من سكان لوغانسك. كما أنَّ غالبية السكان الذين يزيد عددهم على 4 ملايين نسمة ينحدرون أيضاً من أصل روسي.

تاريخياً، أصبح الإقليم تحت سيطرة الإمبراطورية الروسية في منتصف القرن الثامن عشر، بعد وقت قصير من اكتشاف الفحم الذي أدَّى إلى اجتذاب الصناعة والمستوطنين الروس، مع الإشارة إلى أن اسم دونباس هو اختصار بالروسية لحوض فحم دونيتس.

ولم يكن دونباس جزءاً من أوكرانيا خلال فترة استقلالها القصيرة في عام 1918، لكنه أُدمج في جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية بعد الحرب الأهلية الروسية (1917-1922).

وخلال العهد السوفيتي، حافظ الإقليم على وضعه كمركز اقتصادي، حيث أدَّت الخطط الخمسية للزعيم السوفيتي السابق جوزيف ستالين إلى تسريع التنمية الصناعية بشكل كبير خلال سنوات ما بين الحربين العالميتين، وإن كان ذلك على حساب الفلاحين الأوكرانيين.

وعقب انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، أصبح دونباس محركاً صناعياً رئيسياً لاقتصاد دولة أوكرانيا المستقلة.

كيف بدأت التوترات؟

يعد إقليم دونباس مركزاً للقوى السياسية الموالية لروسيا في أوكرانيا، بما في ذلك الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش، الذي لعب دوراً مهماً في صياغة علاقات الإقليم بموسكو.

في عام 2010، وبعد سنوات من الصراعات السياسية، أصبح يانوكوفيتش رئيساً لأوكرانيا، وعمل منذ توليه الرئاسة على التقارب مع روسيا على حساب الغرب، كما اتخذ قرارات سمحت بتعزيز وضع اللغة الروسية بوصفها لغة رسمية في شرق البلاد.

ثم في عام 2014 تمت الإطاحة به، بسبب احتجاجات عارمة على قراره الذي اتخذه تحت ضغط من موسكو بالتراجع عن توقيع اتفاقية تجارية مع الاتحاد الأوروبي، مما اضطره إلى الفرار إلى روسيا.

ورداً على إزاحة الحكومة الموالية لها، قامت موسكو بالسيطرة على شبه جزيرة القرم، وضمها إلى روسيا بعد ذلك.

كيف بدأت حرب دونباس؟

في مسعى لمحاكاة ما حدث في شبه جزيرة القرم، استولى مسلحون موالون لروسيا في أبريل 2014 على رقعة واسعة من دونباس، وأعلنوا استقلال دونيتسك ولوغانسك من جهة واحدة، وهو ما قاد إلى حرب واسعة النطاق مع القوات الأوكرانية.

نزح عشرات الآلاف من الأشخاص داخلياً بسبب القتال، وتضررت البنية التحتية إلى حد كبير، مما أدَّى إلى مساعٍ دولية للتفاوض على وقف إطلاق النار.

في فبراير 2015 أسفرت المحادثات في مينسك، ببيلاروس، عن اتفاق تم بموجبه سحب معظم الأسلحة الثقيلة من خط التماس الذي يمر عبر دونباس.

لكن رغم هذا الاتفاق استمر القتال، ويعتقد أنه بحلول عام 2022 أودت الحرب في دونباس بحياة أكثر من 14 ألف شخص.

 لماذا تهتم روسيا بالإقليم؟

منذ 2007 على الأقل، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعلن بوضوح أنه لا يقبل الهيكل الأمني للقارة الأوروبية الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة، وذلك بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.

ونتيجة لذلك سعى إلى إنشاء مجال نفوذ لموسكو في الفضاء السوفيتي السابق، وعمل على ثني جيرانه عن الانضمام إلى التكتلات الغربية مثل حلف شمال الأطلسي (ناتو)، والاتحاد الأوروبي، مع إنشاء تكتلات بديلة بقيادة روسيا من قبيل "منظمة معاهدة الأمن الجماعي" و"الاتحاد الاقتصادي الأورواسي".

لكن في ظل غياب أوكرانيا عن هذه التكتلات الروسية، وتوجه حكومتها صوب الغرب، ترى موسكو في السيطرة على دونباس وسيلة للضغط على كييف، وضمان بقاء أوكرانيا في مدارها.

كما تتهم موسكو أيضاً كييف بارتكاب عمليات إبادة جماعية ضد إثنية الروس في الإقليم، ودعم "جماعات نازية متطرفة" تستهدف الثقافة والوجود الروسيين، وهو ما تنفيه الحكومة الأوكرانية بشدة.

كيف بدأ التدخل الروسي؟

منذ بداية الأعمال العدائية في الإقليم، نفى بوتين تورط أفراد روس في حرب دونباس، ولكن في أواخر عام 2021 بدا أنَّ روسيا تستعد لعمل عسكري علني ضد أوكرانيا، مع تكثيفها التدريبات العسكرية على الحدود الأوكرانية.

في 21 فبراير 2022، أعلن بوتين الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين اللتين أعلنتا الاستقلال أحادياً، قبل أن يعلن في 24 من الشهر نفسه إطلاق ما سماه "عملية عسكرية خاصة" تتضمن من بين أهدافها "تحرير دونباس".

وبعد شهر من الغزو ، قلَّصت روسيا من طموحاتها للاستيلاء على العاصمة كييف، وبدلاً من ذلك نقلت تركيزها إلى دونباس.

كيف يبدو الوضع الحالي؟

بحلول أواخر مارس الماضي، قالت موسكو إنها تسيطر على 93% من لوهانسك و 54% من دونيتسك، وهو ما تعتبره كييف مبالغة.

وفي أواخر أغسطس، أعلنت أوكرانيا بدء هجوم مضاد لاستعادة الأراضي التي سيطرت عليها روسيا، بما في ذلك الأجزاء الواقعة في إقليم دونباس، وهو ما دفع بوتين إلى إعلان التعبئة الجزئية.

وفي سبتمبر الجاري، أعلن رئيس "البرلمان" المعلن ذاتياً في منطقة لوغانسك دينيس ميروشنيتشنكو تنظيم استفتاء بشأن الانضمام إلى روسيا، ليحذو حذوه دينيس بوشيلين، القيادي الموالي لروسيا في دونيتسك.

والجمعة، بدأت عملية التصويت في الاستفتاء على تقرير المصير في لوغانسك ودونيتسك، فيما حذَّرت موسكو أنَّ محاولات أوكرانيا استعادة دونباس والأراضي التي تسيطر عليها روسيا بمنزلة "اعتداء على أراضينا" إذا كانت نتيجة "الاستفتاءات إيجابية".