التعديلات الحوثية على مناهج التعليم قنبلة موقوتة تهدد أجيال اليمن

منذ استيلائها على العاصمة صنعاء بقوة السلاح في العام 2014، نفذت مليشيات الحوثي، أجندة طائفية لضمان ولاء الأطفال لها في المستقبل وإقناع الشباب بالقتال إلى جانبها على خطوط المواجهة.

ففي مجال التعليم، وبعد أكثر من سبع سنوات، تغيرت المناهج الدراسية بفعل التعديلات التي أدخلتها على النظام التعليمي بشكل أوسع.

وتشمل الأمثلة ما قد يبدو أنها تغييرات صغيرة في كيفية تفسير الآيات القرآنية، إلاّ أن هذه التغييرات تغيّر تماماً فهم المرء للنص. على سبيل المثال، سُلط الضوء على الآيات التي تمجد الجهاد، في حين أُعيد تفسير آيات أخرى لتتماشى مع هوية المليشيات.

واستُبدلت فصول كاملة كانت تعكس تاريخ اليمن المتنوع والغني بأخرى تركز على زعماء السلالة الطائفية الهاشمية. بحيث استُعيض عن القصص التي تتحدث عن أبطال عرب تاريخيين -مثل عمر بن عبدالعزيز، وعمر المختار، ويوسف العظمة- بالقصص التي تتحدث عن القيادي الحوثي صالح الصماد، الذي قُتل في أبريل/نيسان 2018.

بدأت التغييرات في صعدة، حيث أدمجت المليشيات أدبياتها عبر توزيع مؤلفات لمؤسس الجماعة، الهالك حسين بدر الدين الحوثي وأصبحت تعاليم الحوثيين المنهج الدراسي الرئيسي في المحافظة.

وينبع النهج التعليمي للجماعة من قناعتها أن النظام التعليمي الحالي يفسد الشباب. وكوسيلة لمحاربته، وفي العام 2016، بعد عامين من سيطرة الحوثيين على صنعاء، عيّنت الجماعة يحيى بدر الدين الحوثي، شقيق الإرهابي عبدالملك الحوثي، وزيرا للتربية والتعليم، في خطوة المخاوف في صنعاء والمحافظات الأخرى الخاضعة لسيطرة المليشيات من إمكانية تغيير أو تعديل المناهج التعليمية.

في البداية كانت التغييرات طفيفة، ولكن بالنسبة للعام الدراسي 2021/2022، أصدرت وزارة التربية والتعليم في صنعاء منهجًا معدلًا للدراسات الإسلامية والقرآن الكريم والعلوم الاجتماعية للمرحلة الابتدائية. وأدخلت هذه المناهج دروسا جديدة وعدّلت أو حذفت دروسًا أصلية كانت تشمل الحقوق المدنية ودور المرأة وتاريخ الشخصيات المؤثرة التي شكلت تاريخ اليمن.

 

كما بدأ الحوثيون في إجراء تغييرات في الكليات التقنية والمهنية والمجتمعية، كل ذلك بذريعة “حماية الإسلام.” وكجزء من هذه العملية، راقب الحوثيون ما يدرسه الأساتذة في الفصول الدراسية وكذلك الآراء السياسية لهؤلاء الأساتذة والمعلمين.

ماذا جرى؟

استهدفت التغييرات في كتب المرحلة الابتدائية أربعة مناهج دراسية: اللغة العربية والتربية الإسلامية والتربية المدنية والتاريخ. تضمنت التعديلات المدخلة على منهج التربية المدنية دروسًا تمجّد تاريخ جماعة الحوثيين منذ سيطرتها على صنعاء والأحداث التي صاحبت تلك الفترة. على سبيل المثال، كثيرًا ما تصف هذه الدروس التحالف الذي تقوده السعودية بأنه مدعوم من “التحالف الأمريكي الصهيوني”، وتصوّر الحوثيين على أنهم حماة اليمن.

استُبدلت الدروس حول محمد محمود الزبيري وعلي عبدالمغني، الشخصيات المحورية في ثورة 1962 في شمالي اليمن بدروس تتحدث عن الإمام القاسم والإمام المنصور وابنه يحيى حميد الدين -وجميعهم أئمة زيديون حكموا اليمن. ويوصف تاريخ 21 سبتمبر/أيلول 2014 -تاريخ استيلاء الحوثيين على صنعاء- بأنه “ثورة”.

وفي الصف الثامن (الأعمار 13-14)، يحذف المنهج الدراسي الجديد كل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر عام 1962 التي أسست الجمهورية العربية اليمنية. كما حذفت أيضًا دروسًا حول دور الدولة والسلطات التنفيذية الثلاث ومفهوم الحكم الاستبدادي.
واستُعيض بدروس عن الهوية الوطنية والدفاع عن الوطن والكفاح من أجل الاستقلال. أما في الصف التاسع (الأعمار من 14 إلى 15 سنة)، حُذفت جميع الدروس المتعلقة بالحياة المدنية والمجتمع المدني ومشاركة المرأة.

علاوة على ذلك، جميع الطلاب ملزمون بالاضطلاع بدور فعّال في الأنشطة الدينية، والمناسبات “الوطنية التي تبرز دور الحوثيين في الدفاع عن الوطن وتؤكد على تواطؤ الحكومة المعترف بها دوليًّا في موت المدنيين اليمنيين.

من أجل غرس أفكار ومعتقدات مليشيات الحوثي بين طلاب المدارس -وتنفيذ التغييرات في المناهج الدراسية بسلاسة- كانت الجماعة مستعدة لتغيير مديري المدارس وعزلهم عن وظائفهم، واستبدالهم بموالين لها، في خطوة أتاحت للحوثيين التحكم بـ 90% من المدارس في مناطق سيطرتها.

قال المسؤول الإعلامي في نقابة المعلمين اليمنيين، يحيى اليناعي، إن الحوثيين عملوا في منهج عامي 2016 و2017م على تغيير المناهج بشكل هادئ من خلال دس كلمات ونصوص خفيفة تشير إلى معتقداتهم ضمن المقررات الدراسية.

وأوضح اليناعي، في تصريح لوكالة خبر، أن من تلك التغييرات إضافة فقرة "وجوب محبة أهل البيت ومودتهم واتباعهم" في درس حجة الوداع، بكتاب التربية الإسلامية للصف التاسع أساسي، بعدف إقناع الطلبة بوجوب موالاة الحوثي، باعتباره من آل البيت، والزعم بأن ديننا يوجب علينا ذلك.

 

وأكد أن مجمل التغييرات في منهج عامي 2016 و2017م، حملت بعدا فكريا متحيزا يهدف إلى تكريس العنصرية وأفضلية الحوثي سلاليا على سائر المواطنين اليمنيين، ومحاولة اقناع الطلبة بأن "السلطة والحكم" حق إلهي حصري وهبه الله للمنتسبين للحوثي وسلالته ولما يسمون بآل البيت؛ وهو ما يعني في النهاية إلغاءً كاملاً لحقوق الإنسان اليمني كالحرية والديمقراطية والمواطنة المتساوية والعدالة وتكافؤ الفرص في شغل المناصب العامة.

تأثيرات فكرية

وقال إذا ما نظرنا إلى التأثيرات الفكرية لتغييرات منهج 2016 و2017م، سنجد أنها انشغلت بتحسين صورة الحوثي وتقديسه باعتباره ابنا للنبي يجب موالاته واتباعه، ووجوب طاعته، واهتمت بإعطاء مبررات دينية خفية للانقلاب وللحرب التي يخوضها ضد اليمنيين، بما يشجع للانخراط في مليشياته، والقتال معه، والموت في سبيل مشروعه.

وبحسب اليناعي فإن محتوى التغييرات يركز على إقناع الطلبة بأن الهوية الإسلامية مرتبطة أساساً بأن يكون الإنسان معتنقاً بفكر "الحوثي_الخميني".

تغييرات منهج 2018 و2019م هدفت، بحسب اليناعي، إلى طمس الذاكرة الوطنية، وتاريخ الجمهورية اليمنية، ومناسباته الخالدة في الضمير الوطني كثورة ال 26 من سبتمبر، وتغييب رموزها كالزبيري، وإعادة كتابة التاريخ اليمني وفق هوى الحوثي، وبما يروج للحكم الإمامي الكهنوتي ورموزه البغيضة.

كما سعت المليشيات الحوثية إلى جعل قتلاها الذين لقوا مصرعهم في الحرب رموزا وطنية ملهمة، وتشجيع الطلبة على القتال والانخراط في صفوفها.

وبالنسبة لتغييرات منهج عام 2020م، فبعد القيام بعملية مسح شاملة لمضامين التغييرات المضافة لمنهج العام الدراسي 2020م، يقول اليناعي انه تم ملاحظة وجود الصبغة الإيرانية فيها بشكل سافر، فقد جرى إضافة درس عن معركة كربلاء بين الحسين بن علي ويزيد بن معاوية، واضافة درس في كتاب التاريخ للصف السادس بعنوان "الدولة العلوية في طبرستان"، لمحاولة الربط بين اليمن وإيران تاريخيا، وتبرير عمالة الحوثي لطهران، بالقول إن اليمن كانت مرتبطة بإيران منذ القدم، وبأن ثمة علاقات تاريخية مشتركة تجمعهما، ودولة واحدة كانت تحكمهما منذ آلاف السنين هي الدولة العلوية، بما يبرر تبعية الحوثي لإيران.

سمات ومخاطر

أما في 2021م، فقد اتسمت تدخلات الحوثي في المنهج بسمتين، وهما الكثافة، حيث تمت إضافة وحدات كاملة، وليس دروسا فحسب، كما كان عليه الحال في الأعوام الفائتة، مقابل حذف وحدات كاملة.

فيما تتمثل السمة الثانية في أن مؤشر ثقافة العنف والقتل والإرهاب والتكفير في النصوص المضافة أخذ منحى تصاعديا خطيرا ومفزعا، وعلى نحو مباشر وصريح.

وأكد أن خطورة مضامين التغييرات في منهج 2021م تتمثل في أنها تبيح دماء المخالفين للحوثي ولأيديولوجية ولاية الفقيه الخمينية، وتعطي مبررات دينية لقتل اليمنيين وممارسة الإرهاب ضد الشعب، واعتبار القتال في صفوف ميليشيا الحوثي جهادا دينيا، فيما الموت نيابة عن الحوثي تضحية في سبيل الله.

وقال، كنموذج للتغييرات يمكن قراءة محتوى وحدة كاملة بعنوان "شهداؤنا عظماؤنا" في كتاب اللغة العربية للصف السادس تتحدث عن الطفل هاني طومر الذي لقي مصرعه وهو يقاتل مع مليشيا الحوثي.

وعن خطورة التعديلات الحوثية في المناهج أكد أن هذا الجيل سيكون مأساة اليمن في المستقبل، إن لم تتضافر الجهود المحلية والدولية لوقف تسييس المناهج والتعليم، واتخاذ تدابير صارمة لردع العابثين.

وقال هناك مؤشرات حقيقية وأدلة كافية تدين جماعة الحوثي المسلحة بتسييس التعليم والمناهج وتوظيفه كأداة لغرس الفكر "الحوثي-الخميني" في عقول وقناعات الجيل الناشئ من اليمنيين في مناطق سيطرته، وتعمل للسيطرة على عقول الطلبة، وهو ما قد ينذر بمستقبل مفزع لليمن وجيرانه.

واشار إلى أن السعي المستمر لتسييس المناهج والتعليم من قبل جماعة الحوثي المسلحة بلغ من حيث تطرف النصوص المضافة، ما يشكل مخاطر ثقافية وفكرية فعلية على الطلاب.

توجه كارثي

من جهته أكد الاستاذ خالد الاشبط رئيس المجلس التربوي أن ما تقوم به جماعة الحوثي من تعديل وحذف وإضافة بالمنهج فهو خارج إطار القانون بهدف حوثنة التعليم وفق منهج وتوجه هذه الجماعة وبما يتناسب مع ايديولوجيتها المذهبية والطائفية والعنصرية.

وفي تصريح لوكالة خبر أشار الاشبط إلى أنه تم بموجب التعديلات فرض توجه يترتب عليه كارثة مستقبلية باليمن والإقليم، كون هذه الجماعة تقوم بإعداد منهج عابر لحدود الدولة.

 

وعن خطورة التعديلات افاد الاشبط أن المليشيات الحوثية تسعى لخلق جيل يحمل التعصب الديني والمذهبي والسلالي، اضافة إلى طمس هوية المجتمع اليمني وخلق هوية جديدة وخلق ثقافة الحروب والتوسع إلى قيام الساعة.

ومن بين المرامي الحوثية في تعديل المناهج بحسب الاستاذ خالد الاشبط، خلق جماعات إرهابية، وكما هو حاصل اشد خطورة من داعش والقاعدة، والاهتمام بالمواد الإنسانية من أجل نجاح ثقافتها والتخلي عن المواد العلمية.

مواجهة المشروع الحوثي

يحث الأستاذ خالد الاشبط التحالف العربي على مساعدة اليمنيين من خلال الضغط على المنظمات الدولية المعنية بعدم مساعدة الحوثي في تنفيذ مشروعه بل والضغط عليه من قبل المنظمات الدولية بالتوقف عن ما يحدثه بالمنهج، وصرف مرتبات المعلمين بالمناطق التي تحت سيطرة الحوثي وتوظيفهم ما قبل 2014 كونهم من سيرفض تدريس ما يستحدث بالمنهج ورفع مستوى توعية الناس عبر وسائل الإعلام بأضرار منهج الحوثي الجديد على أبنائهم.