فيلم سوري يرصد تجربة نجاح واقعية لمُصابين بمتلازمة داون والتوحّد

لا تحفل الإنتاجات السينمائية العالمية ولا العربية كثيرا بموضوع ذوي الاحتياجات الخاصة الذي يخصّ شرائح اجتماعية كبرى في العالم. لكن بعض المحاولات الموجودة هنا وهناك تترك الانطباع بأن هناك أملا في السير بهذه الطريق. ومهرجان أمل السينمائي الدولي الذي أقام دورته الأولى في السويد خلال شهر سبتمبر الجاري، وحصل من خلاله الفيلم السوري القصير “أبناء المستحيل” على جائزته الكبرى، خطوة في هذا الاتجاه.
 
جاء في قرار لجنة التحكيم في مهرجان أمل السينمائي الدولي لأفلام الطفل والمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة الذي منح الفيلم السوري “أبناء المستحيل” لمخرجه حسام حمود جائزة أفضل فيلم “يعرض المخرج حسام حمود بطريقة إنسانية ومؤثرة للغاية حياة شخصين يواجهان مشاكل يومية بسبب إعاقتهما، هو يعطي نظرة ثاقبة للموضوع ولا يزال بالإمكان العثور عليهما في العديد من البلدان. مع وجود الكثير من المشاعر داخل صور ووجوه الممثلين، لم يكن الفيلم بحاجة إلى كلمات لترك المتفرج متحرّكا”.
 
وأضافت لجنة التحكيم “نجح المخرج في إنتاج فيلم هادف يعطي الأمل. إذا حاول الناس أن يكونوا منفتحين وواجهوا سلوكيات الأشخاص الأقل حظّا دون خوف أو جهل، فيمكنهم منحهم الأمل والثقة بالنفس. بهذه الطريقة يمكن للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة أن يكونوا جزءًا من المجتمع، وأن يتغلّبوا على مخاوفهم ويطوّروا مواهبهم وإبداعهم”.
سينما مغيّبة
 
الفيلم يشكّل حالة استثنائية في السينما السورية كونه حقّق خطوة إنتاجية خاصة قدّمت فيلما عالج موضوعا حياتيا هاما بإمكانات إنتاجية شبه منعدمة. وساهم ولو بحد أدنى في تقديم القطاع الخاص لفيلم سينمائي. ورغم شحّ الإنتاج والإمكانات البسيطة فإن تعاون فريق العمل ومخرجه ذلّل كل المصاعب وحقّق العمل في أول ظهور له جائزة في مهرجان دولي.
 
و”أبناء المستحيل” سيناريو وإخراج حسام حمود، ومن بطولة سلوى جميل ومروان غريواتي ومحمد حسن البيك ونور سكري وسوسن إسماعيل، وتصوير ومونتاج أحمد نعمة، ومساعد مخرج حسن طحان وإشراف ريتا بللوز.
 
ويقول كاتب ومخرج الفيلم حسام حمود عن تجربته في الفيلم “عندما طرحت فكرة إنتاج الفيلم كنت على بيّنة من المصاعب التي ستواجهنا جميعا وكان أهمها المستوى الإنتاجي القليل. لكن روح التحدّي وضرورة عمل شيء مفيد تجاه هؤلاء الناس جعلتاني وفريق العمل نُقدم على المحاولة، وهذا ما كان فعلا، واستطاع الفريق أن يصل بالفيلم إلى الاكتمال”.
 
ويسترسل “لم أكن أريد ولم أفكّر في مشاركة الفيلم بأي مهرجان محلي أو عالمي لمعرفتي بأن السوية الفنية والإنتاجية ليست في مصلحته. لكن أحد الأصدقاء الذين شاهدوا الفيلم وآمن به شجّعني على المشاركة به في مهرجان أمل في دورته الأولى. ومثّل الفيلم المشاركة السورية الوحيدة فيه متنافسا مع العشرات من الأفلام العربية والعالمية”.
 
وعن الجائزة التي حقّقها الفيلم، يقول “بالطبع أنا سعيد بقرار لجنة التحكيم كونها منحت جائزتها الكبرى للمهرجان، وهي خطوة كبيرة بالنسبة إلي في مسيرتي الفنية. وهي لفتة ومشاركة مني في شرح وجهة نظري تجاه هؤلاء الأشخاص الذين نراهم بيننا، وهم يعيشون حياتهم بقوة وعزيمة رغم ظرفهم الصحي الاستثنائي”.
 
وبيّن حمود أن “أبناء المستحيل” يرصد تجربة واقعية لحالات إنسانية خاصة بالمصابين بمتلازمة داون والتوحد، ويدعو إلى رعايتهم والارتقاء بإمكاناتهم وتطويرها ليكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع، كما يحثّ الأطفال على حسن التعامل معهم كونهم شريحة تتمتّع بالذكاء والحساسيّة المفرطة.
 
وسبق للمخرج حسام حمود أن نفّذ العديد من الأفلام الروائية التلفزيونية والسينمائية، وله مساهمات في المسرح في مدينة حلب كما عمل في التلفزيون السوداني. وحاز فيلمه “الموت حبا” قبل عدة سنوات الجائزة الذهبية في مهرجان بيروت الدولي للسينما والتلفزيون، وكان من بطولة صباح الجزائري وسوزان نجم الدين وآخرين.
 
ولا تظهر سينما أصحاب ذوي الاحتياجات الخاصة كثيرا في العالم، وتقتصر الإنتاجات على بعض المحاولات النادرة لبعض الشخصيات الفنية المهتمة بالموضوع لسبب أو لآخر.
 
وفي العالم العربي لا تبدو الأمور أحسن حالا، فرغم وجود العشرات من الجهات الإنتاجية السينمائية وكذلك المهرجانات السينمائية داخل العالم العربي وخارجه فإن حصة ذوي الاحتياجات الخاصة تكون دائما قليلة.
 
وفي العام 1970 ظهر مهرجان “سوبر فيست” لأفلام الإعاقة، وهو أقدم مهرجان عالمي عُني بهذا الأمر، كما يخصّص مهرجان بلغراد جزءا من برامجه لعرض هذا الشكل من الأفلام. أما عربيا فلا توجد مهرجانات خاصة بهذا النمط من السينما ويقوم بعضها بتنظيم تظاهرات أو احتفاليات خاصة أحيانا.
 
وسبق للسينما السورية أن عالجت موضوع ذوي الاحتياجات الخاصة من قبل في فيلم أنتجته المؤسسة العامة للسينما عام 2012 حمل عنوان “عرائس السكر” سيناريو ديانا فارس وإخراج سهير سرميني في أول تجربة سينمائية لهما. وتصدّى لموضوع صبية يافعة تعاني من متلازمة داون والتي تضعها في مخاطر حياتية كبرى نتيجة النظرة الدونية والاستغلال الذي يمكن أن يحيطها به بعض الناس في مجتمعها.
 
كذلك قدّمت الدراما السورية مسلسلا شهيرا كان له تأثير هام في الشارع السوري والعربي عام 2008 حمل عنوان “وراء الشمس” سيناريو محمد العاص وإخراج سمير حسين وأدّى البطولة فيه بسام كوسا وشاب يعاني فعلا من عارض صحي عصبي. وحقّق العمل الكثير من النجاح والتعاطف داخل سوريا وخارجها، وقالت عنه سهام دللو وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل حينها “إن ما حقّقه المسلسل تجاوز بمراحل عمل الوزارة بسنوات”.
 
تجربة فريدة
 
خلال شهر سبتمبر الحالي انطلقت في العاصمة السويدية ستوكهولم الدورة الأولى لمهرجان الأمل السينمائي الدولي لأفلام المرأة وذوي الاحتياجات الخاصة. وفي الثالث عشر منه أعلنت نتائج الدورة الأولى من المهرجان الذي نظم مسابقتين للفيلم الروائي الطويل والقصير شارك فيها أربعة وثلاثون فيلما من أربع وعشرين دولة.
 
تكوّنت لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة من الناقد السينمائي المصري الأمير أباظة والمخرج البريطاني كيث شيري والممثلة والمنتجة اللبنانية ميريل بانوسيان، حيث حصل المخرج الكازاخستاني أديل خان يرزانوف على جائزة أفضل مخرج عن فيلم “القطة الصفراء”، فيما ذهبت جائزة أفضل ممثلة مناصفة بين حنان مطاوع عن فيلم “قابل للكسر” من مصر والأميركية أوليفيا دي أبو عن فيلم “أنجي: فتيات ضائعات”.
 
أما لجنة تحكيم الأفلام القصيرة فضمّت كلا من الممثلة الألمانية مارينا أنا إيتش والمنتج البلجيكي مارك بيسون والمنتجة السويدية سينشيا بولسين، والتي توّجت الفيلم السوري “أبناء المستحيل” للمخرج حسام حمود بجائزة أفضل فيلم قصير، فيما فاز الفيلم الموريتاني “كافيا” للمخرج خليفة ساي بجائزة لجنة التحكيم، كما حاز الطفل نظيم بنيدجا بطل الفيلم الجزائري “سيعود” على تنويه خاص.
 
وعن المهرجان وطموحاته السينمائية والإنسانية، قال مؤسّس المهرجان الفنان اللبناني فادي اللوند “المهرجان يتّجه لدعم الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة” مبيّنا أنهم قاموا بعرض الأفلام في ستوكهولم وعلى شبكة الإنترنت تماشيا مع الأجواء العامة التي فرضتها جائحة كورونا في العالم، حيث حفل المهرجان بالعديد من الأفلام التي عالجت قضايا إنسانية هامة.
 
أما مدير المهرجان المخرج العُماني خالد الزدجالي، فقال عنه “تميّزت الدورة التأسيسية من المهرجان بجمعها للعديد من القامات الفنية والعربية والعالمية منها المخرجة الفرنسية بريجيت ساي واللبنانية كارول سماحة والمصرية إلهام شاهين اللاتي أضفن على المهرجان بريقا خاصا”.
 
وعن مكانة المهرجان عربيا في خارطة المهرجانات السينمائية العربية المقامة في أوروبا، قالت الناقدة المصرية ميرفت عمر المدير الفني للمهرجان والوجه المعروف في مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط “آمل أن يشكّل المهرجان خطوة ضرورية ونقلة للأمام في المهرجانات السينمائية العربية التي تقام في أوروبا، والتي تحمل آفاقا مختلفة تخدم أهدافا وقيما إنسانية عليا”.