عسكريون أمريكيون وإيرانيون لـ"خبر": إيران استغلت عدم رغبة أمريكا في حرب أخرى بالشرق الأوسط.. والحوثيون "بيادق"

صراع نفوذ وحرب ظل.. حقيقة الأطماع والصراع على اليمن، الذي تكمن أهميته في موقعه الاستراتيجي على خط الملاحة الدولي، ومع فشلها طيلة عقود مضت، كان لا بد لإحداها من صناعة "بيادق"، فيما الأخرى تتكفل برعايتها وفق المصالح المشتركة، وهو ما بذلت لأجله طهران جهداً مضاعفاً في جبال مران الواقعة شمالي اليمن.

إجماع دولي لمسؤولين عسكريين وباحثين أمريكيين وإيرانيين وغيرهم، على مضاعفة طهران من جهودها في رعاية قوة استطاعت أن تصنعها وفق أيديولوجيتها، فكانت مخلصة في تنفيذ الأوامر دونما انتقاص.

وقال بروس ريدل، وهو مسؤول أمريكي سابق وضابط مخابرات في حديث خاص لوكالة "خبر": إن "الحوثيين حريصون على تطوير العلاقات مع الرئيس الإيراني الجديد المتهم بجرائم فظيعة".

وأكد ريدل أن "الإيرانيين واثقون جداً من قدرتهم على القيام بأعمال استفزازية وعدم مواجهة عواقب وخيمة".

وتعود الثقة الإيرانية، بحسب ريدل، إلى "أنهم -الإيرانيين- يعرفون أن الأمريكيين لا يريدون حرباً أخرى في الشرق الأوسط".

ويتفق الخبير العسكري الإيراني المنشق، بابك تغفائي، مع "ريدل" بأن إيران تستمد ثقتها من عدم رغبة الولايات المتحدة بخوض حرب جديدة في المنطقة.

وأكد، تغفائي، لوكالة "خبر"، "ما نراه هنا هو أن النظام الإيراني لا يخشى إظهار دعمه من وكلاء الحرس الثوري الإيراني مثل الحوثيين".

وأوضح، "في الواقع، إنهم يظهرون القوة وهم يعلمون أن الولايات المتحدة لم يعد لديها أي مصلحة لمعارضتهم مباشرة في المنطقة".

تورط إيراني مباشر

ومع إدراك إيران "الشيعية" أن القوة الوحيدة التي تستطيع أن توقفها وأذرعها من الفوضى وإشعال الحروب في المنطقة، لم تعد ذات رغبة بالتدخل عسكرياً لإيقافها، قررت التمادي، وبدلاً من تحركها خلف ستار ظهرت في صدارة المشهد العسكري المغلّف بالغطاء السياسي.

تقول الخبيرة الأمريكية المختصة في شئون الأمن القومي، ايرينا تسوكرمان، "إن صورة المتحدث باسم الحوثيين مع الرئيس الإيراني المنتخب -المسؤول عن تعذيب وقتل أكثر من 30 ألف إيراني في الثمانينيات- هي أوضح علامة على سيطرة إيران على "الدمية"، في إشارة إلى جماعة الحوثيين".

جاء ذلك رداً على سؤال وكالة "خبر"، عن ما الذي تعنيه زيارة المتحدث باسم الحوثيين إلى طهران ولقائه الرئيس الإيراني المنتخب، في ظل التطورات الإقليمية الحالية، بما فيها الهجمات على السفن قبالة عمان؟

وأضافت تسوكرمان، "الحوثيون بيادق إيرانية ووكلاء وأتباع للنظام الإيراني، ويتلقون أوامر مباشرة من طهران".

وأشارت تسوكرمان، إلى أن "الباحثة الإيرانية كسرى عرابي، كشفت عن وجود علاقة مباشرة بين حكومة رئيسي والحرس الثوري الإيراني، المعروفين أنهما يعملان بانفتاح متزايد في اليمن. وهذا يعني أن الحرس الثوري وليس قيادة الحوثيين، هو الذي يعطي الأوامر فيما يتعلق بالهجمات العسكرية والإرهابية".

وهذا يعني أيضاً –تقول الباحثة الأمريكية تسوكرمان- أنه حتى عندما يكون الحوثيون متورطين بشكل مباشر في حرب أكثر تطوراً من الجيل الرابع مثل هجمات الطائرات بدون طيار على السفن قبالة عمان، فإنهم يفعلون ذلك رداً مباشراً على أوامر إيران.

وتابعت: "شهدنا التطور التقني والتنسيق المتزايد وتورط إيران المباشر مع عملائها الحوثيين ينمو منذ الصيف الماضي، والذي شهد سلسلة من الهجمات المماثلة ولكن الأقل فتكاً على ناقلات النفط في خليج عمان".

واستطردت، "وبالمثل، شهدنا في العام الماضي مستوى معيناً من التوترات بين إسرائيل وإيران، لكنها زادت بشكل كبير هذا العام، وازداد دور الحوثيين كمنفذين لإرادة إيران في المنطقة".

وأكدت "تسوكرمان"، في سياق حديثها إلى وكالة "خبر"، بأن الحوثيين تلقوا إمدادات أكثر تطوراً من الأسلحة والتدريب من إيران خلال العام الماضي.

وزادت بالقول: "رأينا أيضاً الحوثيين يتواصلون مع حماس خلال الحرب الأخيرة مع اليمن، ويقدمون بثقة الدعم العسكري. وهذا يوضح أنه مهما كانت الأهداف الفردية للحوثيين، فإن مستوى التطرف والطموح العالمي يمتد إلى الوعود السابقة بالحكم والسلطة في اليمن".

ورأت أن إيران تعتمد على وكلائها لتصدير الثورة الإسلامية إلى جميع أنحاء المنطقة ولعب دور مباشر ومنسق في شبكة الوكلاء الإقليميين لطهران.

وأضافت: "نشهد زيادة مستوى ثقة طهران في استعداد الحوثيين العسكري لمزيد من العمليات العالمية. إلى جانب مئات الآلاف من الصواريخ التي يؤويها حزب الله في لبنان، يمثل الحوثيون الآن تهديداً كبيراً وجبهة إضافية محتملة لإسرائيل، بصرف النظر عن حماس والمليشيات العراقية والسورية ووجود الحرس الثوري الإيراني".

ولفتت إلى أن الحوثيين يتمتعون أيضاً بميزة جغرافية تتمثل في الاختباء في تضاريس جبلية على مسافة أبعد من إسرائيل، مما يجعل الضربات الجوية الناجحة المحتملة أكثر تعقيداً.

وحتى لو لم تكن في هذه المرحلة أكثر من مصدر إزعاج مقلق، فإن الوكالة المنفتحة المتزايدة والوقاحة بشكل متزايد مع إيران تُظهر أن الحوثيين يتصرفون كجزء من قوة غير متكافئة أكبر وأكثر تكاملاً، وأقل شبهاً بالمليشيات وأكثر كقوة عسكرية شبه تقليدية، وفقاً لـ"إيرينا تسوكرمان".

وخلصت الباحثة الأمريكية إلى القول، إن "إيران تستعد لتولي الحوثيين السلطة في اليمن وإخراج الحكومة الشرعية"، مضيفة "ستستمر إيران في إدارة العرض في نهاية المطاف، لكن الحوثيين سيصبحون قوة جادة للمساعدة في السيطرة على السكان ومفيدة للهجمات الإقليمية والعالمية التي ستجعل إيران قوة بحرية جادة يجب مواجهتها على الرغم من قوتها البحرية الباهتة".

مصالح ونفوذ

وبخصوص ما نشرته صحيفة "ديلي اكسبرس" البريطانية حول وصول جنود بريطانيين إلى اليمن لملاحقة من وصفتهم بالإرهابيين المسؤولين عن هجوم على سفينة إسرائيلية في بحر العرب، واتهامها الحوثيين الذين أصبحوا يغامرون في تنفيذ أوامر طهران وجر اليمن إلى مزيد من العنف، تقول تسوكرمان، "الحوثيون يدعمون أجندة إيران بشكل كامل، وليس لديهم خيار في هذا الأمر، لأن طهران هي الكيان المسيطر في اليمن. علاوة على ذلك، فهم مستعدون للقيام بأي مستوى من العنف، لأنهم يعتقدون أنهم سينتصرون، طالما ليس هناك معارضة حقيقية من أي طرف".

وتؤكد، "في أسوأ السيناريوهات، يعتقدون (الحوثيون) أنهم سيتلقون تعزيزات من إيران أو وكلاء إقليميين آخرين، كما يحدث بالفعل".

في حين قال مسؤول أمريكي سابق لوكالة خبر، والذي رفض الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتصريح لوسائل إعلام، إن "التصرفات الحوثية الأخيرة (إن صحت) ستقود اليمن إلى مزيد من التدخل والعنف، ولا نستبعد تنفيذ هجمات إسرائيلية في المدى القريب على الحوثيين..".

وبات هناك إجماع دولي على جنون الحوثيين في جر البلاد إلى حرب بين قوى عالمية جرّاء تنفيذهم التوجيهات الإيرانية المتعلقة بمصالحها دون مراعاة مصالح اليمنيين الذين توهمهم عبر أذرعها بأنها في صالحهم.

تلك التحذيرات وإن لم تكن جديدة تجاه النوايا الإيرانية المسبقة، إلا أنها قرعت ناقوس الخطر، وباتت حقائقها تتجلى مع وصول قوات خاصة بريطانية السبت الماضي 7 أغسطس/ آب الجاري إلى شرقي اليمن.

كشف ذلك تقرير نشرته صحيفة "ديلي إكسبرس" البريطانية، التي قالت، إن فريقاً من القوات الخاصة البريطانية يضم 40 جندياً وصل شرق اليمن، السبت، مشيرة إلى أنه يضم أيضاً "وحدة حرب إلكترونية قادرة على تعقب الاتصالات الهاتفية".

وقالت الصحيفة، إن القوات التي هبطت في مطار الغيظة بمحافظة المهرة، تعاونت مع عملاء محليين، يتلقون دعماً من وزارة الخارجية، ممن لديهم معرفة بالمنطقة للمساعدة في مطاردة المرتزقة الحوثيين المسؤولين.

وقامت القوات بتعقب الإرهابيين الذين يقفون وراء هجوم بطائرة مسيرة على السفينة (ميرسر ستريت)، أسفر عن مقتل حارس أمن بريطاني على ناقلة نفط في الخليج.

ولفتت إلى أنه يعتقد أن الحوثيين المدعومين من إيران نفذوا العمل الوحشي بأمر من طهران.

وتعتقد المخابرات الأمريكية والإسرائيلية أن الطائرة التي استهدفت الناقلة أُطلقت من شرق اليمن وتم توجيهها بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، قبل أن يقوم المتمردون بتوجيهها عبر الكاميرا إلى جسر السفينة.

ودعا الجنرال السير نيك كارتر، قائد القوات المسلحة البريطانية، إلى الرد الغربي على الهجوم الذي أسفر عن مقتل أدريان أندروود، وهو جندي بريطاني سابق يعمل لدى شركة أمبري البريطانية لتوفير الأمن للسفينة، وقبطانها الروماني.

وقال كارتر: "ما نحتاج إلى القيام به هو دعوة إيران لسلوكها المتهور للغاية".

تهديد مباشر

وبسبب الحوثيين تحول اليمن إلى ساحة حرب لدول إقليمية تتصارع على مصالحها، وتوجيه رسائل لكل من يهدد مصالحها، فضلاً عن بحثها عن موطئ قدم.

تقول صحيفة "ديلي إكسبرس"، إن وصول قوات خاصة بريطانية إلى اليمن هو رسالة لإيران أن بريطانيا لن تتسامح مع مثل هكذا هجمات.

وتضيف، "يعمل فريق القوات الخاصة البريطانية مع قوة العمليات الخاصة الأمريكية التي كانت موجودة بالفعل في المنطقة وتساعد في تدريب نخبة من وحدات الكوماندوز السعودية".

وكانت المملكة المتحدة والولايات المتحدة وإسرائيل، قد أدانت الهجوم على الناقلة ميرسر ستريت، رغم نفي إيران تورطها في الهجوم على السفينة.

وبوصول القوات البريطانية، ترسل بعثة المملكة المتحدة في الأمم المتحدة رسالة واضحة إلى إيران مفادها أن المملكة المتحدة لن تتسامح مع مثل هذه الهجمات في المياه الدولية.

حرب ظل

وفي سياق حالة الاستنفار البريطاني، قال مصدر عسكري رفيع في المملكة الليلة الماضية: "كل شيء يشير إلى إطلاق الطائرة بدون طيار من اليمن. ما يثير القلق الآن هو أن حصولهم على طائرة مسيرة ذات مدى طويل ستمنحهم قدرة جديدة".

وكانت شركة آمبري البريطانية قد ذكرت أن أدريان أندروود الذي قُتل بضربة يشتبه أن طائرة إيرانية مسيرة نفذتها ضد ناقلة مرتبطة بإسرائيل كان جندياً سابقاً.

وأفادت "آمبري" بأن أندروود كان على متن ناقلة "أم/تي ميرسر ستريت" عندما تعرّضت لهجوم في المحيط الهندي قبالة عمان، كما قتل مواطن من رومانيا في الهجوم.

وحمّلت الولايات المتحدة وإسرائيل، إيران مسؤولية الهجوم على الناقلة التي يشغّلها رجل أعمال إسرائيلي بارز في لندن.

وأشار محللون أمنيون إلى أن الهجوم الدامي، الذي نفت إيران بشدة أي صلة لها به، زاد احتمالات اندلاع "حرب في الظل" تستهدف السفن المرتبطة بإيران وإسرائيل.

ووصف رئيس الوزراء البريطاني الهجوم بأنه "غير مقبول ومشين"، وحذّر إيران من عواقبه.

والثلاثاء الماضي، تم تحميل إيران مجدداً مسؤولية الوقوف وراء عملية جرى الافتراض بأنها جرت لخطف ناقلة أسفلت في خليج عمان، وهو أمر نفته طهران مجدداً.