كيف ستبدو الحياة سنة 2050؟

ستحدث ثورة في نمط عيشنا مع بلوغنا سنة 2050 بسبب التقدم التكنولوجي المتسارع والحاجة إلى حياة مستدامة. سيتناول هذا المقال نظرة على كيفية تأثير تحديات هذا القرن -مثل الاحتباس الحراري وتغير المناخ، والاضطرابات الناتجة عن التقدم التكنولوجي المتسارع- في طريقة عيش الناس.

ستسحب هذه العوامل العالم في اتجاهات متعاكسة في الوقت ذاته، فمن المرجح أن يؤدي ارتفاع منسوب البحار، وفصول الصيف الأكثر حرارة، وفصول الشتاء الأكثر إمطارًا، وزيادة عدد الفيضانات، والجفاف والأوبئة والتصحر، وتقلص إمدادات المياه العذبة، إلى جميع أنواع الشح والأزمات الإنسانية وارتفاع مستويات الوفيات.

ولكن في نفس الوقت، يسهم التقدم التكنولوجي في بعث عصر جديد من الطاقة والثروة والصحة والموارد الجديدة، وذلك بفضل التطور في الطاقة المتجددة وتوليد الطاقة بالاندماج وعلم المواد والبلوكتشين والتكنولوجيا الذكية والطباعة ثلاثية الأبعاد والتكنولوجيا الحيوية.

وفي عصر يتنافس فيه تغير المناخ والتغير التكنولوجي للتحكم فى مستقبلنا، يتمحور التحدي أساسًا حول كيفية ضغط أحدهما على الآخر، إذ يذكر الجميع تأثر المجالات التالية بنتيجة هذا التحدي:

     نمو المراكز الحضرية.
     التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي.
     اللامركزية في كل شيء.
     المدن المستدامة.
     ارتفاع منسوب البحار وغرق السواحل.

نمو المدن

من المتوقع أن يزداد عدد سكان العالم بنسبة كبيرة سنة 2050، ووفقًا لتقرير التوقعات السكانية في العالم عام 2019 الذي جمعته إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة، فإن التعداد السكاني العالمي سيبلغ نحو 9.74 مليار نسمة. وإضافةً إلى ذلك، يُقدّر تقرير صدر سنة 2020 عن المعهد الدولي للبيئة والتنمية أنه بحلول 2050 سيعيش ما يقارب 68% من السكان (أي نحو 6.6 مليار نسمة) في مراكز حضرية (بزيادة قدرها 2.2 مليار نسمة). ويمكن القول أن كل هذا النمو السكاني تقريبًا سيحدث في المدن.

سيؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على المساكن والكهرباء والمياه والغذاء والخدمات الأساسية والتعليم والنقل والخدمات الطبية في هذه الأماكن. ولتلبية هذا الطلب عبر البنى التحتية والموارد سيزداد الضغط على البيئة المحيطة، فالتوسع الحضري يعني إخلاء المزيد من الأراضي للبنى التحتية، وتحويل المزيد من المياه إلى المرافق، وتوليد المزيد من الكهرباء، وتخصيص المزيد من الأراضي الزراعية لإنتاج الأغذية.

لحسن الحظ، يوجد جانب مضيء لهذا النمو، فحين تعكس كثرة الناس تزايد الحاجة، فإن ذلك يعني أيضًا وفرة الإنتاج. وأفضل إيجابيات المدن أنها تعزز الإبداع وإنشاء الصناعات الجديدة والتعبير الثقافي، وكل ذلك نتيجة جمع الناس معًا.

وبالنتيجة، ستُبنى المدن (أو سيعاد بناؤها) سنة 2050 لتوفير الاحتياجات الأساسية لسكانها بطرق لا بد أن تكون مستدامة بكل تأكيد، وهذا يعني إيجاد سبل لتحقيق المزيد بأقل ما يمكن، ناهيك بالقضاء على النفايات قدر الإمكان. وسيكون كل ذلك ممكنًا بفن العيش الذكي.

العيش الذكي

انطلقت فكرة المنازل الذكية بالفعل في العقد الماضي، ومفهومها مُستلهَم من الهواتف الذكية وغيرها من الأجهزة التي يمكن استعمالها في أي مكان يوجد فيه اتصال بالإنترنت، وفيها سيتمكن الشخص من استخدام كل التجهيزات والأجهزة والمرافق في بيته من خلال البلوتوث والإنترنت.

وفي المستقبل، ستمتد هذه الفكرة إلى النقطة التي يصبح فيها إنترنت الأشياء حقيقة واقعية، إذ يشير هذا المفهوم إلى تشابك العالم الرقمي والعالم الحقيقي كما لم يحدث من قبل، وسيكون هذا مدفوعًا بتريليونات من الأجهزة وأجهزة الاستشعار والجيو تاغ التي تربط نقاطًا لا حصر لها في العالم الحقيقي بالإنترنت.

ومن ناحية أخرى، سيزداد الدور الذي تؤديه تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز في تفاعل الناس مع العالم الحقيقي بمساعدة الذكاء الاصطناعي، والقدرة على التواصل مع أي شخص وكل شيء ستُحدث ثورة في نمط عيشنا، وعاين الكثير منا نسخة أولية لهذا النمط بسبب الوباء الأخير.

في 2050 سيعتاد الناس على استلام كل شيء من عتبات أبوابهم، ومن المرجح أن تصبح خدمات التوصيل من الباب إلى الباب أكثر آلية، ويشمل ذلك السيارات الذكية والمكوكات التي تسير بمساراتها الخاصة والطائرات بدون طيار.

وبالمثل، سيكون القيام بكل شيء ممكنًا دون الخروج من المنزل، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعمل. والإنترنت السريع بالمنزل ليكون مكتب عمل سيصبح القاعدة، وستكون الاجتماعات افتراضية ولن يكون السفر من أجل الأعمال التجارية أو حضور المؤتمرات رائجًا.

وعلى غرار التعليم عن بعد اليوم، سيدخل الأطفال إلى فصول دراسية افتراضية يوجههم في دروسها المعلم أو الذكاء الاصطناعي، وستوفر تقنيات اللمس الإحساس بالتعليم العملي دون الحاجة إلى الوجود المادي في الفصل الدراسي.

من المتوقع أيضًا حدوث إقبال شديد على استخدام الروبوتات المنزلية بمختلف أشكالها، وستكون هذه الروبوتات قادرة على التعامل مع كل شيء من الصيانة المنزلية العادية والتنظيف وإعداد الوجبات إلى غيرها من المهام الأخرى.

إضافةً إلى ذلك، ستحقق فكرة البيت الذكي مستويات أعلى في مفهوم الذكاء، فمن المؤكد أن الذكاء الاصطناعي سيصبح سمة مشتركة بين منازل المستقبل، فيتصل بجميع الأجهزة ويشغل الروبوتات المنزلية ويراقب عادات سكانه لضمان عدم تجاوزهم سقف ميزانياتهم.
النظم الموزعة

ستكون طريقة توزيع الطاقة والمال والسلع والخدمات وحتى السياسة والإدارة من التغييرات الأخرى المثيرة للاهتمام في السنوات المقبلة. نعلم أن الثورة الصناعية جلبت مزيدًا من المركزية في مجالي العمل والاقتصاد، أما عالم الغد فسيصبح شبه لا مركزي بالكامل.

فمثلًا، المراكز الحضرية اليوم تترأس قائمة المناطق الأكثر طلبًا للطاقة المتجددة، ويؤثر ذلك في الاقتصاد العالمي، لكن التحول سيكون واضحًا في المستقبل من ناحية كيفية توليد الطاقة ومكانها، إذ سيبتعد تركيز الطاقة في المستقبل عن الشبكات المركزية ويصبح أكثر محلية.

فاليوم تتألف الشبكة الكهربائية من العناصر المتصلة التالية:

     محطات توليد الكهرباء المترابطة الموجودة بعيدًا عن المناطق المكتظة بالسكان.
     محطات التحويل الكهربائية التي تنقل الطاقة مسافات طويلة.
     المحطات الفرعية التي تحول الجهد من العالي المستخدم بالنقل إلى المنخفض المستخدم بالتوزيع.
     توزيع المحولات على المنازل والمباني.

وبهذا، يعد مصطلح الشبكة مناسبًا لأن الكهرباء تتولد في مكان مركزي، ثم تتجه عبر شبكة متداخلة إلى المكان المطلوب. لكن بحلول سنة 2050 سيكون الوضع معاكسًا، إذ ستتوزع المحطات التي تعمل بالطاقة الشمسية أو الرياح أو الضغط أو الحرارة الأرضية أو الكتلة الحيوية أو غيرها من مصادر الطاقة الخضراء.

ستوفر هذه المراكز المحلية الطاقة اللازمة لتزويد منطقة محددة، ومن المرجح أن توفر المباني الضخمة الطاقة الخاصة بها باستخدام المصفوفات الشمسية المدمجة والتوربينات ومولدات الوقود الحيوي. ومع ذلك، فإن شبكات الطاقة لن تندثر، لأن تطوير طاقة الانصهار ومفاعلات توكاماك سيحتاجان إلى مراكز التوزيع والعُقَد.

سيتمكن الناس من الاتصال بأي مكان في أي وقت بفضل انتشار الإنترنت اللاسلكي والإنترنت الموزع بالأقمار الصناعية وتكنولوجيا بلوكتشين، وبالنتيجة ستبدو السياسة أشبه بلقاءات عامة بفعاليات افتراضية يمكن لمزيد من الناس المشاركة فيها، وبنفس الطريقة التي تنعقد بها المؤتمرات عبر الفيديو، ستدار أغلب الأعمال التجارية تقريبًا افتراضيًا وستتأثر بذلك السياسات المحلية أيضًا.
المدن الخضراء الكبرى

بسبب الفقدان المستمر للأراضي الصالحة للزراعة، ستصبح المدن أيضًا مساحات أكثر خضرة، حيث ستجتمع الهندسة المعمارية وعلم البيئة معًا بما يسمى العمارة البيئية (الأركيولوجيا) لخلق نمط عيش صحي، وهذا المفهوم -الذي صاغه المهندس المعماري باولو سوليري سنة 1969- وسيلة لمعالجة الامتداد الحضري وما يترتب عنه من تدمير للمساحات الخضراء.

وقد أعيد بعث هذه الفكرة منذ مطلع القرن بسبب تزايد مشكلة تغير المناخ، ويوجد اليوم عدد لا يحصى من الشركات المعمارية والاستوديوهات التصميمية المتخصصة في إنشاء مساحات حضرية، وهو جوهر العمارة البيئية أو ما يشبهها بالتركيز على مبادئ الكفاءة والاستدامة، ومن الجدير بالذكر أن هذه التصاميم ستستخدم المساحات بطرق أكثر إبداعية بما يجعلها ثلاثية الأبعاد ومبنية ضمن البيئة المحيطة، بعكس وضع المدن اليوم التي تبدو ثنائية الأبعاد لأن الأبنية المرتفعة قليلة ومتركزة في المناطق التجارية المركزية.

ستسود سمة الزراعة الحضرية، إذ سيميل السكان المحليون إلى الحدائق المجتمعية والمزارع العمودية والمزارع المائية ومزارع الحشرات عالية البروتين والمزارع المائية المركبة (حيث تعيش النباتات والأسماك تكافليًا وكلاهما مصدر للمغذيات). وسيعزز تطوير الكائنات المحورة وراثيًا (GMO) والهندسة الميكروبية هذه العمليات. ولمنع الضغط على إمدادات المياه الحالية، فإن معظم ما يلزم للري سيأتي من تخزين مياه الأمطار ووحدات استصلاحها وإعادة التدوير.

ولدى تخطيط التنمية الحضرية الحديثة للمدن يظهر ابتكار التقاط الكربون، وهو ضروري لمكافحة تغير المناخ والتلوث الحضري، وكما يمثل الغطاء الشجري وسيلة لتنظيف هواء المدينة، فإن المدن المقبلة قد تضم أعدادًا كبيرة من الأشجار الاصطناعية ومرافق الطاقة الحيوية والهياكل المبنية مباشرة في واجهاتها التي تمتص الكربون.

سيمكن أيضًا تحويل ثاني أكسيد الكربون الذي ينتج عن تنظيف الهواء بسهولة إلى وقود حيوي باستخدام مفهوم BECSS (الطاقة الحيوية مع التقاط الكربون وتخزينه). وعليه، ستكون المباني المجهزة بهذه التقنية قادرة على خلق الوقود الحيوي ليكون مصدر طاقة احتياطي وموردًا محليًا لوقود المركبات.

مدينة مصدر

مشروع تخطيط لمدينة أبو ظبي في الإمارات العربية المتحدة من بناء شركة بنفس الاسم، وقد صممتها شركة فوستر وشركاؤه لتكون مركزًا لشركات الطاقة النظيفة وموقع مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة.

واستنادًا إلى هدف المحايدة الكربونية، تتزود المدينة بالطاقة من مزيج من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتتحكم أجهزة استشعار الحركة في الإضاءة والمياه للحد من الاستهلاك، والقدر الأعظم من مياه المدينة يأتي من مياه الأمطار أو يُلتقط بالمكثفات الحرارية، على أن يُعاد تدوير ما يبلغ 80% من مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها قدر الإمكان بدءًا من 2016.

أفاد الموقع الرسمي للمدينة أن 2000 شخص يعملون في المدينة ويقيم بها 300 طالب، لكن من المتوقع أن يستمر التوسع إلى أن يصل إلى الطاقة استيعابه القصوى المقدرة بنحو 50000 مقيم ونحو 1500 من الأعمال التجارية إلى جانب 60000 من العمال الذين يتنقلون يوميًا إليها.

المدن المطلة على البحر

في عصر تغير المناخ، أدرج العديد من المصممين ارتفاع مستوى سطح البحر وفقدان السواحل في مفاهيمهم البيئة المعمارية، وقد اقتُرحت بالفعل عدة تصاميم نذكر من أمثلتها:

 بوسطن أركيولوجيا

طرح كيفين شوبفر هذا المفهوم للبنية الضخمة المستدامة في ميناء بوسطن، وصُممت هذه المدينة على شكل مستطيل مع هياكل متداخلة في داخله، وستؤوي 15000 شخص وتشمل الفنادق والمكاتب والمتاجر والمتاحف. ووفقًا لمعايير LEED (الريادة في مجال الطاقة والتصميم البيئي) فإنها ستستمد طاقتها من مزيج من الطاقة الشمسية والريحية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة، وستشكل توسعًا للمدينة دون أن تسهم في التأثير البيئي الناجم عن الامتداد الحضري.

 مساكن نيو أورليانز الأركيولوجي

وهو اقتراح تصميم يقع قبالة سواحل نيو أورليانز، حيث يتدفق نهر المسيسيبي إلى خليج المكسيك، ومقتبس من فكرة اقترحها كيفين شوبفر أيضًا، وقد استلهم هذا التصميم من إعصار كاترينا وأن نشاط العواصف المتكررة في المنطقة سيزداد حدة. وقيل حينها: «يتمحور التحدي الأول حول التغلب على الأضرار الجسدية والنفسية للأنماط الجوية الشديدة المتكررة، ومع أن عملية إعادة السكان قد بدأت، فإن الحاجة إلى توفير بيئة مستقرة وآمنة أمر بالغ الأهمية لتحقيق الانتعاش والرفاه الاقتصادي في نيو أورليانز على المدى الطويل».

وستتمكن هذه المدينة المثلثة الشكل من إيواء 50000 نسمة تقريبًا من سكان نيو أورلينز داخل 20000 وحدة سكنية بمساحة 100 متر مربع لكل منها. ولضمان استمرار السياحة ستضم أيضًا ثلاثة فنادق كبيرة إلى جانب 1500 وحدة سكنية مشتركة وثلاثة كازينوهات.

 هرم مدينة شيميزو العملاقة

اقترحت شركة شيميزو هذه البنية العملاقة سنة 2004 لحل مشكلة الزيادة السكانية في طوكيو، وقد استلهمت من الهرم الأكبر في الجيزة. سيبنى الهيكل في خليج طوكيو بارتفاع يصل إلى أكثر من 200 متر وإسكان مليون شخص.

لكن التصميم يعتمد بالكامل على توفر مواد فائقة التطور في المستقبل كالأنابيب النانوية الكربونية، وذلك بسبب وزن الهرم الذي سيكون أكبر هيكل يبنى على الإطلاق، إذ يتخطى مدى تحمل مواد البناء الموجودة اليوم للإجهاد. ومع أن الخطة الأصلية تضمنت بدء البناء بحلول 2030 فإن شيميزو مصممة على إكمالها بحلول 2110.

الخلاصة

مع مرور القرن الحادي والعشرين، سيضطر العالم إلى تحمل معاناة التعامل مع ظاهرتين متعارضتين رئيسيتين، إذ سيستمر التطور التكنولوجي في التسارع مسببًا آثارًا خطيرة في نمط حياتنا (في العمل واللعب والأكل والعيش عمومًا). وفي الوقت نفسه، سيتفاقم تغير المناخ، ما سيسبب اضطرابات شديدة للأنظمة الطبيعية ذاتها التي يعتمد عليها البشر لبقائهم على قيد الحياة.

يوجد جانب مضيء في معترك هذه الفوضى من التناقضات لحسن الحظ. فسيكون ارتفاع المد والجفاف والعواصف وحرائق الغابات وما إلى ذلك كابوسًا إنسانيًا، لكنه أيضًا سيضغط علينا لإيجاد حلول. وفي حين أن التقدم السريع للتكنولوجيا سيكون مصدرًا ثابتًا للإجهاد، فإنه سيحقق أيضًا الابتكار الذي يعالج المشكلات البيئية.

سيكون زمنًا غريبًا يقع فيه العالم بأسره بين البقاء والازدهار والندرة والوفرة والركود والنمو. ومع ذلك، توجد إمكانية لإحداث تغيير إيجابي قد تؤدي إلى عصر جديد من العيش الأفضل والاستدامة.