بومبيو من رأس الدبلوماسية إلى واجهة الإعلام: عقيدة "الترامبية" المستمرة

أصبح من المألوف أن يتجه كبار القادة السياسيين في الولايات المتحدة إثر انتهاء خدمتهم الرسمية في الدولة إلى عالم الإعلام الشاسع وبريق الشاشات.

فالرئيس باراك أوباما وزوجته ميشيل أمسيا ركناً من أركان شبكة نتفليكس العالمية منذ أن وقعا معها في العام 2018 عقد شراكة للإنتاج التلفزيوني والسينمائي ذا قيمة ربحية عالية جداً ويمتد لسنوات. وقد أعلن الزوجان مؤخراً عن قائمة من المشاريع الإنتاجية لأفلام تلفزيونية ضمن شراكتهما تلك تتنوع بين الأفلام الوثاقية وأخرى عن الخيال العلمي.

وكان من أبرز الأفلام الوثائقية التي أنتجها الزوجان فيلم American Factory، الذي يجسد قصة قدوم شركة صينية إلى ولاية أوهايو الأميركية بهدف إعادة تشغيل مصنع أميركي كان مغلقاً إلى حين في الولاية. ويسرد الفيلم الوثائقي صوراً عن الصدام الثقافي الذي يحدث بين الحضارة الأميركية التي عمرها 200 عام فقط والحضارة الصينية الموغلة في القدم، وذلك على هامش لقاء العاملين في المصنع المتحدّرين من ثقافتين مختلفتين تماماً.

أما اليوم، وفي أحدث أخبار انضمام شخصيات سياسية أميركية إلى عالم الإعلام والأخبار فكان ما أعلنته شبكة فوكس نيوز الأقرب إلى اليمين الأميركي المحافظ، عن انضمام وزير الخارجية الأسبق في عهد دونالد ترامب مايك بومبيو إلى أسرة البرامج السياسية بصفة “متعاون” بحيث يشارك كمعلق سياسي عبر جميع المنصات التي تنضوي تحت مظلة الشبكة سواء على الشاشات التلفزيونية أو منصات التواصل الاجتماعي التابعة لها.

وعن التحاق بومبيو بالشبكة أفادت سوزان سكوت الرئيسة التنفيذية لفوكس نيوز بالقول “مايك بومبيو هو واحد من أبرز الأصوات وأكثرها مصداقية واحتراماً على المستوى الأميركي في شؤون السياسات الخارجية للولايات المتحدة وقضايا الأمن القومي”.

أما بومبيو فقد توجّه إلى الجمهور في بيان أصدره عقب انضمامه إلى الشبكة الإعلامية واسعة الانتشار قال فيه “بصفتي دبلوماسياً سابقا وعضوا حاليا في الكونغرس فإنني أنوي أن أقدّم للمشاهد قراءة صريحة وذات جدوى للخارطة الجيوسياسية العالمية والعلاقات الدولية والسياسات التي نظمت شعار ‘أميركا أولاً’ وقد ساهمت في التأسيس لحالة من الأمن والرخاء غير المسبوقين في الولايات المتحدة”.

ولم يكن بومبيو الذي شغل منصبين هما الأكثر أهمية وحساسية في الإدارة الأميركية حيث كان مديراً لوكالة الاستخبارات الأميركية قبل تسلّمه منصب وزير الخارجية، الشخصية البارزة الوحيدة من حلقة ترامب التي انضمت إلى فوكس نيوز بعد انتهاء عهد الرئيس السابق في نهاية العام 2020، بل قامت الشبكة بالتعاقد مع زوجة ابنه ومستشارة حملته الانتخابية لارا ترامب، وكذلك مع المستشارة الصحافية السابقة للبيت الأبيض كايلي ماكناني، والاثنتان كانتا الأكثر قربا وإيمانا بنهج ترامب وعقيدته الجديدة التي عُرفت مصطلحيا بالترامبية (Trumpism).

ويبدو أن عقيدة ترامب ستستمر وتنمو خارج البيت الأبيض وأروقة الحكم عبر مريديها في وسائل الإعلام المرئية ومنصات التواصل الاجتماعي، ولفترة لن تكون بالقصيرة. فها هو بومبيو الذي تبنى بقوة سياسة ترامب المتشددة تجاه الصين وكان الجهة الأكثر فاعلية وحزماً ضمن الإدارة في تحديد مسار العلاقات بين بكين وواشنطن، ينضم إلى قائمة المنادين بمقاطعة الولايات المتحدة للألعاب الأولمبية الشتوية للعام 2022 التي ستقام في العاصمة بكين.

كما هاجم مؤخرا وبشدة تقريرا يُخلي مسؤولية الصين من انتشار فايروس كورونا في العالم نتيجة عدم الإفصاح المبكر عن تفشّيه على أراضيها معتبرا التقرير جزءاً من حملة التضليل التي يمارسها الحزب الشيوعي الصيني الحاكم. فبومبيو اليميني العتيد والمحافظ الجمهوري لم يكتفِ بأن يطلق على الجائحة اسم “الفايروس الصيني” كما كان يحلو للرئيس ترامب أن يصفها، بل تجاوز تلك التسمية ليطلق على الفايروس الذي تحوّل إلى جائحة عالمية قلبت الدنيا رأسا على عقب وأودت بحياة الملايين من الأبرياء اسم “فايروس يوهان” نسبة إلى المدينة الصينية التي ظهرت فيها أولى الإصابات، ولم تعلن عنها حكومة بكين في حينها.

ويبدو أن العقيدة السياسية الجدلية التي نسج خيوطها ترامب خلال أربع سنوات من عهده ستجد طريقها من جديد إلى الشارع السياسي والرأي العام الأميركي والعالمي بعد خروج الأخير من البيت الأبيض، وسيحمل مريدو الترامبية صداها، فكراً وعقيدة، إلى منابر السلطة الرابعة دونما توقّف.