المبعوث البريطاني غريفيث وثلاث سنوات من الانحياز للإرهاب الحوثي

منذ تعيين الدبلوماسي البريطاني مارتن غريفيث مبعوثاً للأمم المتحدة إلى اليمن، انسد الأفق السياسي للأزمة في اليمن، ووقف حجر عثرة أمام إنجاز كثير من الملفات في سبيل إحلال السلام وإنهاء حرب مدمرة أنهكت اليمن واليمنيين.

محطات وأحداث عدة تثبت أن البريطاني غريفيث لم يكن وسيطاً أممياً نزيهاً وعادلاً، بقدر ما كان ضابطاً يمثل قوى دولية تعمل على إطالة أمد الصراع بوقوفه إلى جانب مليشيات مسلحة إرهابية تقمع الشعب وترتكب بحقهم أبشع أنواع جرائم القتل والتعذيب والخطف والتجويع والتنكيل.

ففي 15 فبراير/ شباط من العام 2018 وافق مجلس الأمن على تعيين مارتن غريفيث مبعوثاً أممياً خاصاً إلى اليمن خلفاً لـ إسماعيل ولد الشيخ أحمد، ليتولى أعقد ملفات الشرق الأوسط.

انتقل المبعوث الجديد على الفور إلى صنعاء والتقى عبر دائرة تلفزيونية بزعيم المليشيات الإرهابية عبدالملك الحوثية، كما التقى كبار قياداتها، وأجرى معهم تفاهمات ظاهرها سبل حل الأزمة وباطنها إملاءات للقيادات الحوثية لإطالة أمد الحرب، وهذا ما حصل عكس ما كان عليه الوضع الميداني قبيل تعيين البريطاني غريفيث.

كانت المليشيات الحوثية تعاني أوضاعاً ميدانية صعبة وكانت في محل الدفاع عن مناطقها والتي تخسرها باستمرار ولم يذكر أن تقدمت في منطقة خسرتها أو استعادتها منذ اندلاع شرارة الحرب في مارس 2015م، وبلغت ذروة الهزيمة الكبرى تحرير مديريات الساحل الغربي والوصول إلى عتبات ميناء الحديدة والدخول إلى أحيائها من قبل القوات المشتركة.

بطلب من بريطانيا وتوصية من المبعوث غريفيث عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة دعا فيها الأطراف اليمنية العودة إلى مشاورات السلام والتوقف عن التصعيد في الحديدة، ودعا غريفيث كذلك الأطراف إلى استكهولم لعقد مشاورات أعلن فيها عن اتفاق لم يوقع عليه أحد، للتهدئة ووقف إطلاق النار في المدينة الساحلية التي كانت المليشيات فيها على وشك الانهيار قبل أن يتدخل مارتن.

يعد اتفاق استكهولم بكل بنوده أحد المهازل التي أشرف عليها غريفيث وتمت برعايته، وعين لها بعثة أممية تتجاوز أفرادها المائة فرد، تخصص لهم ميزانية تزيد عن سبعين مليون دولار، وتصرف نفقات تشغيلية باذخة، بداعي الحد من تدهور الجانب الإنساني في مدينة يرزح أغلب سكانها تحت خط الفقر ولا يزالون.

ما الذي حصل بعد الاتفاق المشئوم في استكهولم؟؟ سؤال تجيب عليه حقيقة الأوضاع في الميدان، فالمليشيات الحوثية الإرهابية لم تنفذ أيا من بنوده وكل هذا بتواطؤ من غريفيث، والذي بلغ ذروته في مسرحية تسليم موانئ الحديدة إلى قوات خفر السواحل الحوثية حيث تم تغيير الزي الحوثي الشعبي إلى زي خفر السواحل ليتم التمثيل أمام الكاميرا، وهي المسرحية التي باركها غريفيث بل ومدح زعيم المليشيات في جلسة علنية في مجلس الأمن.

اتفاق استكهولم دعت إليه الأمم المتحدة خوفاً من تدهور الأوضاع الإنسانية، غير أنه منذ الاتفاق زاد عدد الضحايا المدنيين بفعل الألغام والهجمات الحوثية المستمرة على منازلهم وأسواقهم، فالمدينة الساحلية شهدت مجازر حوثية عدة بقذائف وصواريخ المليشيات دون أن يحرك غريفيث ساكنا.

حتى في الهجوم الحوثي الأخير على الدريهمي وخرقه الواضح لاتفاق استكهولم، تعامى غريفيث عن الأمر، وكأنه فجأة أصيب بالخرس، غير أنه وحين تفوقت القوات المشتركة واستعادت ما كانت خسرته سارع غريفيث لدعوة الأطراف اليمنية للتهدئة والتي تلقفت المليشيات المنهزمة الدعوة بالترحيب بها وحرصها المزعوم على السلام.

وخلال عامين على الاتفاق المشئوم لم تتوقف المليشيات عن انتهاكاتها واعتداءاتها على المدنيين وحتى ضباط الرقابة والتي استهدفت أحدهم وهو الضابط الصليحي والذي استشهد برصاص قناص حوثي، كما تعرض مقر لجنة الرقابة المشتركة لقصف حوثي واستهداف بطائرات مسيرة حوثية، إضافة إلى منع بعثة الرقابة الأممية من الانتقال إلى جانب سيطرة القوات المشتركة للالتقاء بها.

حتى في المعارك التي شهدتها نهم والجوف والبيضاء ومارب والضالع، فغريفيث يظل متخفياً لحين مواجهة مليشيات الحوثي، معضلة أو تكون على وشك الهزيمة حينها يسارع المبعوث البريطاني للتنديد والدعوة للسلام، وطلب مجلس الأمن للالتئام بشكل طارئ لمناقشة الوضع.

ثلاث سنوات من الإحاطات والبيانات والتي تندد بالحرب دون التنديد بالمجرم الإرهابي الحوثي، ثلاث سنوات من التحذير من كوارث إنسانية، دون تسمية المتسبب فيها من مليشيات الحوثي، فترة مريرة في مرحلة الصراع اليمني، تلك هي التي أسندت مهمة الوساطة الأممية للمبعوث البريطاني.

مبادرات ووساطات جزئية والبحث في مشاكل فرعية بعيداً عن الحل الكلي الشامل في معالجة الصراع وجذوره وأسبابه، ابتداءً من صافر إلى مطار صنعاء إلى الرحلات الإنسانية، إلى وساطاته المستمرة لإدخال شحنات الوقود الإيراني الذي تدعم به وكيلها الحوثي في اليمن، وانتهاءً بمبادرته الأخيرة المسماة وثيقة الحل الشامل التي رفضتها المليشيات الحوثية شكلاً في البداية كمبرر لاستيعاب شروطها في الوثيقة المعدلة والتي باتت في صورتها وشكلها الأخير نسخة حوثية صادرة عن زعيمها الإرهابي وليس عن وسيط أممي ينبغي عليه اتخاذ موقف النزيه والعادل.

منذ تعيين غريفيث لم تدن الأمم المتحدة ولا مبعوثها جريمة حوثية واحدة وتسمية المجرم الحوثي، وكأنها جرائم تقيد ضد مجهول، وحين صنفت المليشيات كمنظمة إرهابية تباكى غريفيث وحذر من خطورة ذلك على الجانب الإنساني، وهو المبرر المخادع نفسه الذي بموجبه تم إيقاف تحرير الحديدة من قبضة المليشيات وحدث بعد ذلك أفظع أنواع الانتهاكات ضد المدنيين من قبل المليشيات ولم يحرك غريفيث ساكناً.

من هو غريفيث؟

يعتبر البريطاني غريفيث، مواليد 1951، واحداً من الدبلوماسيين الأوروبيين وفقاً للأمم المتحدة وهو المدير التنفيذي للمعهد الأوروبي للسلام في بروكسل، ولديه خبرة في حل النزاعات والتفاوض والشؤون الإنسانية.

عمل في السلك الدبلوماسي البريطاني ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) والمنظمة الخيرية (أنقذوا الأطفال).

عُين مديراً للشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في جنيف في عام 1994 وأصبح منسق الإغاثة الطارئة لها في نيويورك عام 1998.

من خلال العمل الوظيفي لغريفيث يتضح أن لديه علاقات باليونيسيف وأنقذوا الطفولة وعدد من المنظمات الإنسانية، وجميعها لديها نشاط واسع في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية الإرهابية وتمارس أدواراً مشبوهة.

يرى غريفيث أن الحرب في اليمن تختلف عنها في سوريا، لأن الحل وارد في سوريا بعكس اليمن التي تتضاءل فيها الحلول وتتفاقم الأزمة الإنسانية أكثر فأكثر، فهي أسوأ من العراق وجنوب السودان.